في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

وحالة كونها : ( في جيدها حبل من مسد ) . . أي من ليف . . تشد هي به في النار . أو هي الحبل الذي تشد به الحطب . على المعنى الحقيقي إن كان المراد هو الشوك . أو المعنى المجازي إن كان حمل الحطب كناية عن حمل الشر والسعي بالأذى والوقيعة .

ختام السورة:

وفي الأداء التعبيري للسورة تناسق دقيق ملحوظ مع موضوعها وجوها ، نقتطف في بيانه سطورا من كتاب : " مشاهد القيامة في القرآن " نمهد بها لوقع هذه السورة في نفس أم جميل التي ذعرت لها وجن جنونها :

" أبو لهب . سيصلى نارا ذات لهب . . وامرأته حمالة الحطب . ستصلاها وفي عنقها حبل من مسد . .

" تناسق في اللفظ ، وتناسق في الصورة . فجنهم هنا نار ذات لهب . يصلاها أبو لهب ! وامرأته تحمل الحطب وتلقيه في طريق محمد لإيذائه ( بمعناه الحقيقي أو المجازي " . . والحطب مما يوقد به اللهب . وهي تحزم الحطب بحبل . فعذابها في النار ذات اللهب أن تغل بحبل من مسد . ليتم الجزاء من جنس العمل ، وتتم الصورة بمحتوياتها الساذجة : الحطب والحبل . والنار واللهب . يصلى به أبو لهب وامرأته حمالة الحطب ! وتناسق من لون آخر . في جرس الكلمات ، مع الصوت الذي يحدثه شد أحمال الحطب وجذب العنق بحبل من مسد . اقرأ : ( تبت يدا أبي لهب وتب )تجد فيها عنف الحزم والشد ! الشبيه بحزم الحطب وشده . والشبيه كذلك بغل العنق وجذبه . والشبيه بجو الحنق والتهديد الشائع في السورة .

" وهكذا يلتقي تناسق الجرس الموسيقي ، مع حركة العمل الصوتية ، بتناسق الصور في جزئياتها المتناسقة ، بتناسق الجناس اللفظي ومراعاة النظير في التعبير ، ويتسق مع جو السورة وسبب النزول . ويتم هذا كله في خمس فقرات قصار ، وفي سورة من أقصر سور القرآن " .

هذا التناسق القوي في التعبير جعل أم جميل تحسب أن الرسول [ ص ] قد هجاها بشعر . وبخاصة حين انتشرت هذه السورة وما تحمله من تهديد ومذمة وتصوير زري لأم جميل خاصة . تصوير يثير السخرية من امرأة معجبة بنفسها ، مدلة بحسبها ونسبها . ثم ترتسم لها هذه الصورة : ( حمالة الحطب . في جيدها حبل من مسد ) ! في هذا الأسلوب القوي الذي يشيع عند العرب !

قال ابن إسحاق : فذكر لي أن أم جميل حمالة الحطب حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول الله [ ص ] وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فهر [ أي بمقدار ملء الكف ] من حجارة . فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله [ ص ] فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر . أين صاحبك ? قد بلغني أنه يهجوني . والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه . أما والله واني لشاعرة ! ثم قالت :

مذمما عصينا *** وأمره أبينا

ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ? فقال : ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني . .

وروى الحافظ أبو بكر البزار - بإسناده - عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب )جاءت امرأة أبي لهب ، ورسول الله [ ص ] جالس ومعه أبو بكر . فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء ! فقال رسول الله [ ص ] : " إنه سيحال بيني وبينها " . . فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك . فقال أبو بكر : لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به ، فقالت : إنك لمصدق . فلما ولت قال أبو بكر : ما رأتك ? قال : " لا . ما زال ملك يسترني حتى ولت " . .

فهكذا بلغ منها الغيظ والحنق ، من سيرورة هذا القول الذي حسبته شعرا [ وكان الهجاء لا يكون إلا شعرا ] مما نفاه لها أبو بكر وهو صادق ! ولكن الصورة الزرية المثيرة للسخرية التي شاعت في آياتها ، قد سجلت في الكتاب الخالد ، وسجلتها صفحات الوجود أيضا تنطق بغضب الله وحربه لأبي لهب وامرأته جزاء الكيد لدعوة الله ورسوله ، والتباب والهلاك والسخرية والزراية جزاء الكائدين لدعوة الله في الدنيا ، والنار في الآخرة جزاء وفاقا ، والذل الذي يشير إليه الحبل في الدنيا والآخرة جميعا . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

1

المفردات :

جيدها : عنقها .

مسد : هو الليف ، أي : في عنقها حبل من ليف تجمع فيه الحطب وتحزمه .

التفسير :

5- في جيدها حبل من مسد .

في عنقها حبل من ليف ، أي هي في جهنم بصورة زرية ، تحمل النار على ظهرها ، وفي عنقها حبل من نار ، شأن حاملي الحطب الذين يربطون حبلا في أعناقهم ، ويعلّقون فيه ما يجمعون .

لقد كانت نموذجا للعداوة هي وزوجها ، وقد آلمتها هذه السورة ونالت منها ، وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها حجر لتقذفه به ، فأعمى الله بصرها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تشاهد غير أبي بكر الصديق .

والسورة تبيّن عدالة الإسلام ، فأقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذمّه القرآن وذمّ زوجته بسبب أعمالها ، وقد مات أبو لب حزينا كئيبا بعد هزيمة بدر ، ثم نصر الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وخلّد ذكره .

i تفسير المراغي للأستاذ أحمد مصطفى المراغي ، 30/263 .

ii مقتبس من تفسير جزء عم ، للأستاذ الإمام محمد عبده ، ص 133 .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

الجيد : العنُق .

المَسَد : كل حَبْل مفتول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا ، قد أعد له في عنقه حبلًا { مِنْ مَسَدٍ } أي : من ليف .

أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها ، متقلدة في عنقها حبلًا من مسد ، وعلى كل ، ففي هذه السورة آية باهرة من آيات الله ، فإن الله أنزل هذه السورة ، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا ، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد ، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان ، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

{ في جيدها } في عنقها ، وجمعه أجياد ، { حبل من مسد } واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من المسد وهو الفتل ، والمسد ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها فتلت من الحديد فتلاً محكماً . وروى الأعمش عن مجاهد : { من مسد } أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها : المحور . وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح ، فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها . قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد . قال قتادة : قلادة من ودع . وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها فاخرة ، وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

قوله تعالى : " في جيدها " أي عنقها . وقال امرؤ القيس :

وجيدٍ كجيد الريم ليس بفَاحِشٍ *** إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطَّلِ{[16549]}

" حبل من مسد " أي من ليف ، قال النابغة :

مقذوفةٍ بدخِيسِ النَّحْضِ بازِلُهَا *** له صريفٌ صريفُ القَعْوِ بالمسد{[16550]}

وقال آخر :

يا مَسَدَ الخُوصِ تعوَّذْ مني *** إن كنت لدْناً ليِّناً فإني

ما شئت من أشمط مُقْسَئِنّ{[16551]}

وقد يكون من جلود الإبل ، أو من أوبارها ، قال الشاعر :

ومسد أمرَّ من أيانقِ *** لَسْنَ بأنياب ولا حقائق{[16552]}

وجمع الجيد أجياد ، والمسد أمساد . أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف . قال الحسن : هي حبال من شجر تنبت باليمن تسمى المسد ، وكانت تفتل . قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا ، فكانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم بالفقر وهي تحتطب في حبل تجعله في جيدها من ليف ، فخنقها الله جل وعز به فأهلكها ، وهو في الآخرة حبل من نار . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : { في جيدها حبل من مسد } قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعا- وقاله مجاهد وعروة بن الزبير- تدخل من فيها ، وتحرج من أسفلها ، ويلوى سائرها على عنقها . وقال قتادة : { حبل من مسد } قال : قلادة من ودع . الودع : خرز بيض تخرج من البحر ، تتفاوت في الصغر والكبر . قال الشاعر :

والحلمُ حلمُ صبيٍّ يمرِثُ الوَدَعَهْ{[16553]}

والجمع : ودعات . الحسن : إنما كان خرزا في عنقها . سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد . ويكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة . وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان ، يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء ، كالمربوط في جيده بحبل من مسد . والمسد : الفتل . يقال : مسد حبله يمسِده مسدا ، أي أجاد فتله . قال{[16554]} :

يمسِد أعلى لحمه ويأْرِمُه

يقول : إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار ويشده . ودابة ممسودة الخلق : إذا كانت شديدة الأسر{[16555]} . قال الشاعر :

ومَسَدٍ أُمِرَّ من أيانق *** صُهْبٍ عِتَاقٍ ذاتِ مُخٍّ زاهِقِ

لسن بأنيابٍ ولا حقائقِ{[16556]}

ويروى :

ولا ضعافٍ مُخُّهُنَّ زاهِقِ

قال الفراء : هو مرفوع ، والشعر مكفأ{[16557]} . يقول : بل مخهن مكتنز ، رفعه على الابتداء . قال : ولا يجوز أن يريد ( ولا ضعاف زاهق مخهن ) ، كما لا يجوز أن تقول : مررت برجل أبوه قائم ، بالخفض . وقال غيره : الزاهق هنا : بمعنى الذاهب ، كأنه قال : ولا ضعاف مخهن ، ثم رد الزاهق على الضعاف . ورجل ممسود : أي مجدول الخلق . وجارية حسنة المسد والعصب والجدل والأرم{[16558]} ؛ وهي ممسودة ومعصوبة ومجدولة ومأرومة . والمساد ، على فعال : لغة في المساب{[16559]} ، وهي نحي السمن ، وميقاء العسل ، قال جميعه الجوهري . وقد اعترض فقيل : إن كان ذلك حبلها الذي تحتطب به ، فكيف يبقى في النار ؟ وأجيب عنه بأن الله عز وجل قادر على تجديده كلما احترق . والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة{[16560]} ، فلما ماتا على الكفر صدق الإخبار عنهما . ففيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم . فامرأته خنقها الله بحبلها ، وأبو لهب رماه الله بالعدسة{[16561]} بعد وقعة بدر بسبع ليال ، بعد أن شجته أم الفضل{[16562]} . وذلك أنه لما قدم الحيسُمانُ مكة يخبر خبر بدر ، قال له أبو لهب : أخبرني خبر الناس . قال : نعم ، والله ما هو إلا أن لقينا القوم ، فمنحناهم أكتافنا ، يضعون السلاح منا حيث شاؤوا ، ومع ذلك ما لمت الناس . لقينا رجالا بيضا على خيل بلق ، لا والله ما تبقي منا . يقول : ما تبقي شيئا . قال أبو رافع : وكنت غلاما للعباس أنحت الأقداح في صفة زمزم ، وعندي أم الفضل جالسة ، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر ، فرفعت طنب الحجرة ، فقلت : تلك والله الملائكة . قال : فرفع أبو لهب يده ، فضرب وجهي ضربة منكرة ، وثاورته{[16563]} ، وكنت رجلا ضعيفا ، فاحتملني ، فضرب بي الأرض ، وبرك على صدري يضربني . وتقدمت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فتأخذه وتقول : استضعفتَه أن غاب عنه سيده ! وتضربه بالعمود على رأسه فتفلقُه شجَّةٌ منكرة . فقام يجر رجليه ذليلا ، ورماه الله بالعدسة ، فمات ، وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ، ثم إن ولده غسلوه بالماء ، قذفا من بعيد ، مخافة عدوى العدسة . وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون . ثم احتملوه إلى أعلى مكة ، فأسندوه إلى جدار ، ثم رضموا{[16564]} عليه الحجارة .


[16549]:الجيد: العنق. والريم: الظبي الأبيض الخالص البياض. و"نصته" رفعته. والمعطل: الذي لا حلي عليه. وقوله "بفاحش"؛ أي ليس بكريه المنظر.
[16550]:قال التبريزي "مقذوفة": أي مرمية باللحم. والدخيس: الذي قد دخل بعضه في بعض من كثرته. والنحض: اللحم، وهو جمع نحضة. والبازل: الكبير. والصريف: الصياح. والقعو: ما يضم البكرة إذا كان خشبا؛ فإذا كان حديدا فهو خطاف. ويروى: له صريف صريف القعو (بالضم) على البدل، والنصب أجود".
[16551]:الأشمط: من خالط بياض رأسه سواد. والمقسئن: الذي قد انتهى في سنه، فليس به ضعف كبر ولا قوة شباب. وقيل: هو الذي في آخر شبابه وأول كبره. والرجز ثلاثة أبيات في (اللسان: مسد) ولم ينسبه إلى قائله.
[16552]:أمر الحبل: فتله فتلا شديدا. وأيانق: جمع أينق، وأينق جمع ناقة. والأنياب: جمع ناب، وهي الناقة الهرمة. والحقائق: جمع حقة، وهي التي دخلت في السنة الرابعة ، وليس جلدها بالقوي. والرجز ثلاثة أبيات في اللسان. ونسبه الأصمعي لعمارة بن طارق. وقال أبو عبيدة: هو لعقبة الهجيمي. وقوله (ليس): كذا في (اللسان: مسد)، وأعاده في (حقق): (لسن) بالنون. وهو الصواب.
[16553]:مرث الودع يمرثه مرثا: مصه.
[16554]:هو رؤبة.
[16555]:الأسر: الخلق.
[16556]:أمر الحبل: فتله فتلا شديدا . والأيانق: جمع ناقة. والصهب: جمع الأصهب، هو بعير ليس بشديد البياض. وعتاق: جمع عتيق وهو الكريم. وزهق المخ: إذا اكتنز (اجتمع) لحمه ؛ فهو زاهق.
[16557]:الإكفاء في الشعر: المخالفة بين ضروب إعراب قوافيه. ومن الإكفاء أيضا المخالفة بين هجاء قوافيه إذا تقاربت مخارج الحروف أو تباعدت.
[16558]:أي مجدولة الخلق.
[16559]:وقد يهمز فيقال مسأب، كمنبر.
[16560]:كذا في الأصول والظاهر أن اللفظ محرف عن (الوفاة).
[16561]:العدسة: بثرة تخرج بالبدن فتقتل.
[16562]:هي لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت ميمونة أم المؤمنين.
[16563]:المثاورة: المواثبة. (اللسان: ثور).
[16564]:رضموا: أي جعلوا الحجارة بعضها على بعض.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ} (5)

وأن الخبر { في جيدها } أي عنقها ، وأجود ما فيها ، هو حال على التقدير الأول { حبل } كالحطابين تخسيساً لأمرها ، وتحقيراً لحالها { من مسد } أي ليف أو ليف المقل ، أو من شيء قد فتل وأحكم فتله ، من قولهم : رجل ممسود الخلق ، أي مجدوله ، وقد رجع آخرها على أولها ، فإن من كانت امرأته مصورة بصورة حطابة على ظهرها حزمة حطب معلق حبلها في جيدها ، فهو في غاية الحقارة والتباب والخساسة والخسارة .

ختام السورة:

وحاصل هذه السورة أن أبا لهب قطع رحمه ، وجار عن قصد السبيل ، واجتهد بعد ضلاله في إضلال غيره ، وظلم الناصح له ، الرؤوف به ، الذي لم يأل جهداً في نصحه ، على ما تراه من أنه لم يأل هو جهداً في أذاه ، واعتمد على ماله وأكسابه ، فهلك وأهلك امرأته معه ومن تبعه من أولاده ، ومن أعظم مقاصد سورة النساء المناظرة لها في رد المقطع على المطلع التواصل والتقارب والإحسان لا سيما لذوي الأرحام ، والعدل في جميع الأقوال والأفعال ، فكان شرح حال الناصح الذي لا ينطق عن الهوى ، وحال الضال الذي إنما ينطق عن الهوى قوله تعالى :{ يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم }[ النساء : 26 ] وختمها إشارة إلى التحذير من مثل حاله ، فكأنه قيل : يبين الله لكم أن تضلوا فتكونوا كأبي لهب في البوار ، وصلي النار ، كما تبين لكم ، فكونوا على حذر من كل ما يشابه حاله ، وإن ظهر لكم خلاف ذلك ، فأنا أعلم منكم ، والله بكل شيء عليم " والحمد لله رب العالمين " .