في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

( قل : أرأيتم ما تدعون من دون الله ? أروني ماذا خلقوا من الأرض ? أم لهم شرك في السماوات ? ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم ، إن كنتم صادقين ) . .

وهذا تلقين من الله سبحانه لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ليواجه القوم بشهادة كتاب الكون المفتوح . الكتاب الذي لا يقبل الجدل والمغالطة - إلا مراء ومحالا - والذي يخاطب الفطرة بمنطقها ، بما بينه وبين الفطرة من صلة ذاتية خفية ، يصعب التغلب عليها ومغالطتها .

( أروني ماذا خلقوا من الأرض ? ) . .

ولن يملك إنسان أن يزعم أن تلك المعبودات - سواء كانت حجرا أم شجرا أم جنا أم ملائكة أم غيرها - قد خلقت من الأرض شيئا ، أو خلقت في الأرض شيئا . إن منطق الفطرة . منطق الواقع . يصيح في وجه أي ادعاء من هذا القبيل .

( أم لهم شرك في السماوات ? ) . .

ولن يملك إنسان كذلك أن يزعم أن لتلك المعبودات شركة في خلق السماوات أو في ملكيتها . ونظرة إلى السماوات توقع في القلب الإحساس بعظمة الخالق ، والشعور بوحدانيته ؛ وتنفض عنه الانحرافات والترهات . . والله منزل هذا القرآن يعلم أثر النظر في الكون على قلوب بالبشر ومن ثم يوجههم إلى كتاب الكون ليتدبروه ويستشهدوه ويستمعوا إلى إيقاعاته المباشرة في القلوب .

ثم يأخذ الطريق على ما قد يطرأ على بعض النفوس من انحراف بعيد . فقد يصل بها هذا الانحراف إلى أن تزعم هذا الزعم أو ذاك بلا حجة ولا دليل . يأخذ عليها الطريق ، فيطالبها بالحجة والدليل ؛ ويعلمها في الوقت ذاته طريقة الاستدلال الصحيح ؛ ويأخذها بالمنهج السليم في النظر والحكم والتقدير :

( ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم ، إن كنتم صادقين ) . .

فإما كتاب من عند الله صادق . وإما بقية من علم مستيقن ثابت . وكل الكتب المنزلة قبل القرآن تشهد بوحدانية الخالق المبدع المدبر المقدر ؛ وليس فيها من كتاب يقر خرافة الآلهة المتعددة ، أو يقول بأن لها في الأرض خلقا أو في السماوات شركا ! وليس هنالك من علم ثابت يؤيد مثل ذلك الزعم المتهافت .

وهكذا يواجههم القرآن بشهادة هذا الكون . وهي شهادة حاسمة جازمة . ويأخذ عليهم طريق الادعاء بلا بينة . ويعلمهم منهج البحث الصحيح . في آية واحدة قليلة الكلمات ، واسعة المدى ، قوية الإيقاع ، حاسمة الدليل .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

1

المفردات :

أرأيتم : أخبروني .

لهم شرك : شركة ونصيب .

أثارة من علم : بقية من علم .

التفسير :

4- { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .

أخبروني أيها الكفار ، هل الأصنام أو الأوثان أو الجن أو الملائكة ، أو جميع ما تعبدون من دون الله ، هل هذه المعبودات الزائفة خلقت شيئا من هذا الكون البديع ؟ أروني هذا الذي خلقته من الأرض ، هل خلقت الماء أو اليابس ؟ الشرق أو الغرب ؟ السهل أو الجبل ؟ الحيوان أو الإنسان ؟ والجواب معلوم : إن أحدا لم يدع مطلقا أنه خلق الأرض ، ولا جانبا منها ، لأن هذه المعبودات الزائفة لا تقدر على خلق شيء من ذلك ، وهذه الأرض لم تخلق نفسها ، فلم يبق إلا أن تكون من خلق الله .

ثم قل لهم أيها الرسول الكريم : { أم لهم شرك في السماوات . . . }

أي : تدرج معهم واسألهم : هل لهم مشاركة وإسهام في خلق السماوات ؟

هل ساعدوا الله وأعانوه في خلق شيء من ذلك ؟ والجواب معلوم ، ولكن القرآن يستمر في مناقشتهم وتحديهم بأن يثبتوا بأي حجة أو دليل ، يفيد أن هذه المعبودات قد خلقت أي شيء في الأرض أو السماء حتى تعبد .

{ ائتوني بكتاب من قبل هذا . . . }

أي : هل عندكم كتاب من الكتب المنزلة قبل القرآن ، كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى ، تشهد بأن هذه المعبودات الزائفة قد خلقت شيئا ، أو جانبا من الأرض أو السماء ؟ وإذا لم تكن عندكم وثيقة مكتوبة تثبت ذلك ، فهل عندكم بقية من علوم الأولين تنطق باستحقاق هذه المعبودات للعبادة ، أو أنهم خلقوا شيئا من الأرض ، أو اشتركوا في خلق السماوات ؟ هل لديكم أي دليل نقلي أو عقلي يثبت لهذه الأصنام خلقا للأرض ، أو مشاركة في خلق السماء ؟

{ إن كنتم صادقين } .

فقدموا ما يثبت صدقكم ، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي ، وحيث إنه لا دليل لكم فقد ثبت بطلان كفركم ، وأقيمت الحجة عليكم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

تدْعون : تعبدون .

أم لهم شِرك : أم لهم نصيب .

أو أثارة من علم : بقية من علم .

ثم يردّ اللهُ تعالى على من يعبد غيره من المشركين فيأمر الرسولَ الكريم أن يقول لهم : أخبِروني عن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله ؟ هل خلقوا شيئاَ في هذه الدنيا ، أم أنهم شاركوا في خلْق السموات ؟ إنْ كان ما تدّعون حقا فأْتوني بكتابٍ من قبل هذا القرآن ، أو أي أثرٍ من عِلم الأولين تستندون إليه في دعواكم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

{ 4-6 } { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

أي : { قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثانا وأندادا لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قل لهم -مبينا عجز أوثانهم وأنها لا تستحق شيئا من العبادة- : { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ } هل خلقوا من أجرام السماوات والأرض شيئا ؟ هل خلقوا جبالا ؟ هل أجروا أنهارا ؟ هل نشروا حيوانا ؟ هل أنبتوا أشجارا ؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك ؟

لا شيء من ذلك بإقرارهم على أنفسهم فضلا عن غيرهم ، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله فعبادته باطلة .

ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي فقال : { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا } الكتاب يدعو إلى الشرك { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } موروث عن الرسل يأمر بذلك . من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك ، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم ونهوا عن الشرك به ، وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وكل رسول قال لقومه : { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } فعلم أن جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة وآراء كاسدة وعقول فاسدة . يدلك على فسادها استقراء أحوالهم وتتبع علومهم وأعمالهم والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة ؟

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

قوله تعالى : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا } أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون . { أو أثارة من علم } قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين ، أي يسند إليهم . قال : مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء . وقال قتادة : خاصة من علم . وأصل الكلمة من الأثر ، وهو الرواية ، يقال : أثرت الحديث أثراً وإثارة ، ومنه قيل للخبر : أثر . { إن كنتم صادقين }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

ثم طالبهم بالدليل على عبادة الأوثان فقال { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات } أي مشاركة مع إلله في خلقهما لذلك أشركتموهم في عبادته { ائتوني بكتاب من قبل هذا } أي من قبل القرآن فيه بيان ما تقولون { أو أثارة من علم }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

{ أروني ماذا خلقوا } احتجاج على التوحيد ورد على المشركين ، فالأمر بمعنى التعجيز .

{ شرك في السموات } أي : نصيب .

{ ائتوني بكتاب } تعجيز لأنهم ليس لهم كتاب يدل على الإشراك بالله ، بل الكتب كلها ناطقة بالتوحيد .

{ أو أثارة من علم } أي : بقية من علم قديم يدل على ما يقولون ، وقيل : معناه من عمل تثيرونه أي : تستخرجونه ، وقيل : هو الإسناد ، وقيل : هو الخط في الرمل ، وكانت العرب تتكهن به ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان نبي من الأنبياء يخط في الرمل فمن وافق خطه فذاك " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى : لما قدم ذكر{[58487]} الكتاب وعظيم الرحمة به وجليل بيانه ، وأردف ذلك بما تضمنته سورة الشريعة من توبيخ من كذب به وقطع تعلقهم وأنه سبحانه وتعالى قد نصب من دلائل السماوات والأرض إلى-{[58488]} ما ذكر في صدر السورة ما كل قسم منها{[58489]} كاف في الدلالة وقائم بالحجة ، ومع ذلك فلم يجر{[58490]} عليهم التمادي على ضلالهم والانهماك في سوء حالهم وسيىء محالهم ، أردفت{[58491]} بسورة الأحقاف تسجيلاً بسوء مرتكبهم وإعلاماً باليم{[58492]} منقلبهم فقال تعالى { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى } ولو اعتبروا بعظيم ارتباط ذلك الحق وإحكامه وإتقانه لعلموا أنه لم يوجد عبثاً{[58493]} ، ولكنهم عموا عن الآيات وتنكبوا عن انتهاج الدلالات { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } ثم أخذ سبحانه وتعالى في تعنيفهم وتقريعهم في عبادة ما لا يضر ولا ينفع فقال { أفرأيتم ما تدعون{[58494]} من دون الله } - إلى قوله : { وكانوا بعبادتهم كافرين } ثم ذكر عنادهم عند سماع الآيات فقال : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } الآيات ، ثم التحم الكلام وتناسج إلى آخر السورة - انتهى .

ولما قرر سبحانه الأصل الدال على التوحيد وإثبات العدل والرحمة بالبعث للفصل{[58495]} ، وكانوا يقولون : إنهم أعقل الناس ، وكان العاقل لا يأمن {[58496]}غوائل الإنذار{[58497]} إلا أن أعد لها ما يتحقق {[58498]}دفعه لها{[58499]} وكان لا يقدر على دفع المتوعد{[58500]} إلا من يساويه أو يزيد عليه بشركة أو غيرها ، وكانوا يدعون في أصنامهم أنها{[58501]} شركاء ، بنى على ذلك{[58502]} الأصل تفاريعه{[58503]} ، وبدأ بإبطال متمسكهم فقال سبحانه وتعالى آمراً له صلى الله عليه وسلم بأن ينبههم على سفههم بأنهم أعرضوا عما قد يضرهم من غير احتراز منه دالاً على عدم إلهية ما دعوه آلهة بعدم الدليل على إلهيتها من عقل أو نقل ، لأن منصب الإلهية لا يمكن أن يثبت و-{[58504]} له من الشرف ما هو معلوم بغير دليل قاطع : { قل } أي لهؤلاء المعرضين أنفسهم لغاية الخطر منكراً عليهم تبكيتاً وتوبيخاً : { أرءيتم } أي أخبروني بعد تأمل ورؤية باطنة { ما تدعون } أي دعاء عبادة ، ونبه على سفولهم بقوله تعالى : { من دون الله } أي الملك الأعظم الذي كل شيء دونه ، فلا كفوء له .

ولما كان من المعلوم أن الاستفهام عن رؤية ما {[58505]}مشاهدتهم له{[58506]} معلومة لا يصح إلا بتأويل{[58507]} أنه عن بعض الأحوال ، وكان التقدير : أهم{[58508]} شركاء في الأرض ، استأنف قوله : { أروني ما } وأكد الكلام بقوله سبحانه وتعالى : { ماذا خلقوا } أي اخترعوه { من الأرض }{[58509]} ليصح ادعاء{[58510]} أنهم شركاء فيها{[58511]} باختراع ذلك الجزء . ولما كان معنى الكلام وترجمته : أروني أهم شركاء في الأرض{[58512]} ؟ عادله بقوله : { أم لهم } أي الذين تدعونهم { شرك{[58513]} في السماوات } أي نوع من أنواع الشركة : تدبير - كما يقول أهل الطبائع ، أو خلق أو غيره ، أروني ذلك الذي خلقوه منها ليصح ادعاؤكم فيهم واعتمادكم عليهم بسببه .

فالآية من الاحتباك : ذكر الخلق أولاً دليلاً على حذفه ثانياً ، والشركة ثانيا دليلاً على حذفها أولاً .

ولما كان الدليل أحد شيئين : سمع وعقل ، قال تعالى : { ائتوني } أي-{[58514]} حجة على دعواكم في هذه الأصنام أنها خلقت شيئاً ، أو أنها تستحق أن تعبد { بكتاب } أي{[58515]} واحد يصح التمسك به ، لا أكلفكم إلى{[58516]} الإتيان بأكثر من كتاب واحد . ولما كانت الكتب متعددة ولم يكن كتاب قبل القرآن عاماً لجميع ما سلف من الزمان ، أدخل الجار فقال تعالى : { من قبل هذا } أي-{[58517]} الذي نزل عليّ كالتوراة والإنجيل والزبور ، وهذا من أعلام النبوة فإنها كلها شاهدة بالوحدانية ، لو أتى بها آت لشهدت عليه .

ولما ذكر الأعلى الذي لا يجب التكليف إلا به ، وهو النقل القاطع ، سهل عليهم فنزل إلى ما دونه الذي منه العقل ، وأقنع منه-{[58518]} ببقية واحدة ولو كانت أثراً لا عيناً فقال{[58519]} : { أو أثارة } أي بقية رسم صالح للاحتجاج ، قال ابن برجان : وهي{[58520]} البقية من أثر{[58521]} كل شيء يرى {[58522]}بعد ذهابه{[58523]} وحال رؤيته بأثرها {[58524]}خلف عن سلف{[58525]} يتحدثون بها في آثارهم ، قال البغوي{[58526]} : وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية . { من علم } أي قطعي بضرورة أو تجربة أو مشاهدة أو غيره ولو ظناً يدل على ما ادعيتم فيهم من الشركة . ولما كان لهم من النفرة من الكذب واستشناعه-{[58527]} واستبشاعه واستفظاظه ما ليس لأمة من الأمم ، أشار إلى تقريعهم بالكذب إن لم يقيموا دليلاً على دعواهم بقوله تعالى : { إن كنتم } أي بما هو لكم كالجبلة { صادقين * } أي عريقين في الصدق على ما تدعون لأنفسكم .


[58487]:في مد: ذلك.
[58488]:زيد من مد.
[58489]:في مد: منه.
[58490]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فلم يحرم.
[58491]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أردف.
[58492]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ليتم-كذا.
[58493]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: غنا.
[58494]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعبدون.
[58495]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: للفضل.
[58496]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الغوائر.
[58497]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الغوائر.
[58498]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: دفعها به.
[58499]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: دفعها به.
[58500]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: المتوحد.
[58501]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أنهم.
[58502]:زيد في الأصل و ظ: قوله، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58503]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: تقاريعه.
[58504]:زيد من ظ و م ومد.
[58505]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شاهدتهم.
[58506]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شاهدتهم.
[58507]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بتأمل وتأويل.
[58508]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: هم.
[58509]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا يصح الادعاء.
[58510]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا يصح الادعاء.
[58511]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الأرض.
[58512]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: تدعون أنهم شركاء.
[58513]:ورد في الأصل بعد"أم لهم" والترتيب من ظ و م ومد.
[58514]:زيد من مد.
[58515]:سقط من ظ و م.
[58516]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: على.
[58517]:زيد من ظ و م ومد،
[58518]:زيد من م ومد.
[58519]:زيد من م ومد، زيد في الأصل: مبينا لذلك، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58520]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: هو.
[58521]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أثار.
[58522]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعددها به.
[58523]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعددها به.
[58524]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سلف عن خلف.
[58525]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سلف عن خلف.
[58526]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب6/130.
[58527]:زيد من م ومد.