في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

وبعد هذه النداءات المتكررة للذين آمنوا ؛ وأخذهم إلى ذلك الأفق السامي الوضيء من الآداب النفسية والاجتماعية ؛ وإقامة تلك السياجات القوية من الضمانات حول كرامتهم وحريتهم وحرماتهم ، وضمان هذا كله بتلك الحساسية التي يثيرها في أرواحهم ، بالتطلع إلى الله وتقواه . .

بعد هذه المدارج إلى ذلك الأفق السامق ، يهتف بالإنسانية جميعها على اختلاف أجناسها وألوانها ، ليردها إلى أصل واحد ، وإلى ميزان واحد ، هو الذي تقوم به تلك الجماعة المختارة الصاعدة إلى ذلك الأفق السامق :

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير ) . .

يا أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا ، المتفرقون شعوبا وقبائل . إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا .

يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان ، واختلاف الطباع والأخلاق ، واختلاف المواهب والاستعدادات ، فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق ، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم ، ويعرف به فضل الناس : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين : ( إن الله عليم خبير ) . .

وهكذا تسقط جميع الفوارق ، وتسقط جميع القيم ، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة ، وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر ، وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان .

وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض ؛ وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس . ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون : ألوهية الله للجميع ، وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته : لواء التقوى في ظل الله . وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من عقابيل العصبية للجنس ، والعصبية للأرض ، والعصبية للقبيلة ، والعصبية للبيت . وكلها من الجاهلية وإليها ، تتزيا بشتى الأزياء ، وتسمى بشتى الأسماء . وكلها جاهلية عارية من الإسلام !

وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها ، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة : راية الله . . لا راية الوطنية . ولا راية القومية . ولا راية البيت . ولا راية الجنس . فكلها رايات زائفة لا يعرفها الإسلام .

قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان " .

وقال[ صلى الله عليه وسلم ] عن العصبية الجاهلية : " دعوها فإنها منتنة " .

وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي . المجتمع الإنساني العالمي ، الذي تحاول البشرية

في خيالها المحلق أن تحقق لونا من ألوانه فتخفق ، لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم . . الطريق إلى الله . . ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمعة . . راية الله . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

11

المفردات :

من ذكر وأنثى : من آدم وحواء ، قال إسحاق الموصلي :

الناس في عالم التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم في أصلهم شرف *** يفاخرون به فالطين والماء

شعوبا وقبائل : الشعوب : رؤوس القبائل ، كربيعة ومضر ، والقبائل فروعها .

قال في تفسير المراغي :

والشعوب واحدهم شعب ( بفتح الشين وسكون العين ) ، وهو الحي العظيم المنتسب إلى أصل واحد ، كربيعة ومضر ، والقبيلة دونه كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر ، وحكى أبو عبيدة أن طبقات النسل التي عليها العرب سبع :

الشعب ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، ثم العشيرة ، وكل واحد منها يدخل فيما قبله .

فالقبائل تحت الشعوب ، والعمائر تحت القبائل ، والبطون تحت العمائر ، والأفخاذ تحت البطون ، والفصائل تحت الأفخاذ ، والعشائر تحت الفصائل .

فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ( بفتح العين وكسرها ) وقصيّ بطن ، وعبد مناف فخذ ، وهاشم فصيلة ، والعباس عشيرة ، وسمي الشعب شعبا لتشعب القبائل منه كتشعب أغصان الشجرة .

التفسير :

13- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

تأتي هذه الآية في أعقاب الآداب الإسلامية السابقة ، والنهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ، وظن السوء ، والتجسس والغيبة .

والمعنى :

يا كل الناس ، لماذا التعالي على عباد الله ، أو السخرية منهم ، أو غيبتهم ، أو ظن السوء بهم ، إنكم جميعا من أصل واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، فقد خلق الله آدم بيده وزوّجه حواء ، ومن نسل آدم وحواء خلق جميع البشر ، فلماذا التعالي والتفاخر والترفع والتكبر على الآخرين إذا كنتم جميعا من أصل واحد ، ومن إناء واحد ؟

قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، ألا هل بلّغت ) ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : ( ليبلّغ الشاهد منكم الغائب )22 .

{ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . . . }

الشعوب : الجمهور الكبير من الناس ، والقبائل : العائلات الكبيرة ، ومنها تتفرع الفروع الصغيرة ، تقول : أنا من شعب مصر ، ومن محافظة كذا ، ومن بلدة كذا ، ومن قبيلة كذا ، أو من عائلة كذا ، وبذلك يعرف الناس أنسابهم وأصولهم ، ويحافظون على أنسابهم بالزواج الشرعي ، والبعد عن الزنا والسفاح .

قال صلى الله عليه وسلم : ( ولدت من نكاح ، ولم أولد من سفاح )23 .

وقد كان الناس -عربا أو عجما- عند نزول الآية قبائل متمايزة ، ضمن شعوب تعمهم ، ولكنهم الآن في معظم الأمم قد اختلط بعضهم ببعض ، وأصبح التعارف بينهم بالانتماء إلى الأمم ، وبيان البلدان التي يعيشون فيها ، والمساكن التي يأوون إليها .

{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم . . . }

أي : لقد جعلت النسب للتعارف وصلة الرحم ، وليس للتعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب ، فإن السمو الحقيقي ورفعة المنزلة إنما تكون بتقوى الله ومراقبته ، والعمل بما يرضيه ، والبعد عما نهى الله عنه .

أخرج ابن أبي حاتم ، والترمذي ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال : ( يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية –أي : تكبرها- وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى ، إن الله عز وجل يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) .

وروى مسلم ، وابن ماجة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )24 .

وعند الطبراني ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه ، وإنما أنتم بنو آدم ، وأحبكم إليه أتقاكم )25 .

{ إن الله عليم خبير } .

هو سبحانه مطلع على القلوب ، عليم بأحوال عباده ، خبير بأفعالهم ، فيثيب من تخلق بهذه الأخلاق ، ويعاقب من أعرض عنها .

في أعقاب التفسير

1- احتج مالك بقوله تعالى : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى . . . } على عدم اشتراط النسب في الكفاءة في الزواج ، إلا الدين ، فيجوز زواج المولى بالعربية ، وقد تزوج سالم مولى امرأة26 من الأنصار امرأة عربية حرة ، حيث تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وأنكحه هند بنت أخيه الوليد بن عتبة ، وتزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمان بن عوف ، وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، فالكفاءة إنما تراعى في الدين فقط .

روى أحمد ، وأصحاب الكتب الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )27 .

وقال الجمهور : يراعى الحسب والمال عملا بالأعراف ، ومراعاة لواقع الحياة المعيشية ، وتحقيقا لهدف الزواج وهو الدوام والاستقرار .

وأرى أن هذه الأمور متشابكة ، ولا نستطيع الفصل بينها بسهولة .

والحل :

1- أن نعطي للدين والتقوى درجات كبيرة للزوجة والزوج ، مع مراعاة الأمور الأخرى بنسبة ما ، وبذلك نجمع بين ما رآه مالك وما رآه غيره .

2- أورد الإمام ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية التي تنهي عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، ثم قال : فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ورسوله .

روى البخاري بسنده ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرمهم ؟ قال : ( أكرمهم أتقاهم ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن يعقوب نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فعن معادن العرب تسألون ) ؟ قالوا : نعم ، قال : ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )28 .

3- وردت أحاديث نبوية كريمة في معنى الآية ، منها ما رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجُعْلان )29 .

وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم ، وأبيتم إلا أن تقولوا : فلان ابن فلان ، وأنا اليوم أرفع نسبي لأضع أنسابكم ، أين المتقون ) ؟

وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا : ( إن أولياء أبي ليسوا لي بأولياء ، إن وليي الله وصالحو المؤمنين )30 .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

الشعوب : جمع شعب وهو الحيّ العظيم المنتسب إلى أصل واحد كربيعة ومُضَر ، والقبيلة دونه ، وسُمي الشَعب شَعباً لتشعب القبائل منه كتشعب الأغصان من الشجرة .

بعد أن أدّب الله تعالى المؤمنين بالآداب الرفيعة بيّن هنا أن الناسَ جميعاً من أبٍ واحد وأمٍ واحدة ، فكيف يسخَر الأخ من أخيه أو يغتابه أو يظلمه ! ؟ وبين للناس أن القرآن يدعو إلى أمةٍ إنسانية واحدة ، وعالمٍ واحدٍ يسوده العدل والمحبة ، وأعلن هنا حقوقَ الإنسان بصرف النظرِ عن لونه وجنسه ، فالناس إخوة في النسَب ، كرامتُهم محفوظة ، والإنسان مخلوق الله المختار ، وهو خليفته في الأرض .

يا أيها الناس : إنّا خلقناكم متساوين من أصلٍ واحد هو آدم وحواء ، وجعلناكم جموعا عظيمة ، شعوباً وقبائل متعددة ، لتتعارفوا وتتعاونوا على ما فيه خيرُكم وصلاحكم ، إن أكرَمَكُم عند الله وأرفعَكم منزلة في الدنيا والآخرة هو اتقاكم له وأنفعكم لخلْقِه ، { إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ } بكم وبأعمالكم وبباطن أحوالكم ، فاجعلوا التقوى زادَكم لمعادِكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

{ 13 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

يخبر تعالى أنه خلق بني آدم ، من أصل واحد ، وجنس واحد ، وكلهم من ذكر وأنثى ، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء ، ولكن الله [ تعالى ] بث منهما رجالاً كثيرا ونساء ، وفرقهم ، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي : قبائل صغارًا وكبارًا ، وذلك لأجل أن يتعارفوا ، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه ، لم يحصل بذلك ، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون ، والتوارث ، والقيام بحقوق الأقارب ، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل ، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها ، مما يتوقف على التعارف ، ولحوق الأنساب ، ولكن الكرم بالتقوى ، فأكرمهم عند الله ، أتقاهم ، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي ، لا أكثرهم قرابة وقومًا ، ولا أشرفهم نسبًا ، ولكن الله تعالى عليم خبير ، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ، ظاهرًا وباطنًا ، ممن يقوم بذلك ، ظاهرًا لا باطنًا ، فيجازي كلا ، بما يستحق .

وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب ، مطلوبة مشروعة ، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل ، لأجل ذلك .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } أي كلكم بنو أب واحد وأم واحدة فلا تفاضل بينكم في النسب { وجعلناكم شعوبا } وهي رؤوس القبائل كربيعة ومضر { وقبائل } وهي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا لتتفاخروا بها ثم أعلم أن أرفعهم عنده منزلة أتقاهم فقال { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الآية

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } آدم وحواء { وجعلناكم شعوباً } جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب { وقبائل } هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها ، مثاله خزيمة : شعب ، كانة : قبيلة ، قريش : عمارة بكسر العين ، قُصي : بطن ، هاشم : فخذ ، العباس : فصيلة { لتعارفوا } حذف منه إحدى التاءين ليعرف بعضكم بعضاً لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى { إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم } بكم { خبير } ببواطنكم .