في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

32

وفي النهاية يواجههم بواقع حالهم تجاه دعوتهم إلى البذل في سبيل الله ؛ ويعالج شح النفوس بالمال بالوسائل القرآنية ، كما عالج شحها في ذات النفس عند الجهاد :

( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله . فمنكم من يبخل . ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه . والله الغني وأنتم الفقراء . وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) . .

والآية ترسم صورة وصفية لواقع الجماعة المسلمة يومذاك . ولواقع الناس تجاه الدعوة إلى البذل في كل بيئة . فهي تقرر أن منهم من يبخل . ومعنى هذا أن هنالك من لا يبخلون بشيء . وقد كان هذا واقعا ، سجلته الروايات الكثيرة الصادقة ، وسجله القرآن في مواضع أخرى . وقد حقق الإسلام في هذا المجال مثلا تحسب من خوارق الأمثال في البذل والتضحية عن رضى وعن فرح بالبذل والعطاء . ولكن هذا لم يمنع أن يكون هنالك من يبخل بالمال . ولعل الجود بالنفس أرخص عند بعضهم من الجود بالمال !

والقرآن يعالج هذا الشح في هذه الآية :

( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) . .

فما يبذله الناس إن هو إلا رصيد لهم مذخور ، يجدونه يوم يحتاجون إلى رصيد ، يوم يحشرون مجردين من كل ما يملكون . فلا يجدون إلا ذلك الرصيد المذخور . فإذا بخلوا بالبذل ، فإنما يبخلون على أنفسهم ؛ وإنما يقللون من رصيدهم ؛ وإنما يستخسرون المال في ذواتهم وأشخاصهم ؛ وإنما يحرمونها بأيديهم !

أجل . فالله لا يطلب إليهم البذل ، إلا وهو يريد لهم الخير ، ويريد لهم الوفر ، ويريد لهم الكنز والذخر . وما يناله شيء مما يبذلون ، وما هو في حاجة إلى ما ينفقون :

( والله الغني وأنتم الفقراء ) . .

فهو الذي أعطاكم أموالكم ، وهو الذي يدخر لكم عنده ما تنفقونه منها . وهو الغني عما أعطاكم في الدنيا ، الغني عن أرصدتكم المذخورة في الآخرة . وأنتم الفقراء في الدارين وفي الحالين . أنتم الفقراء إلى رزقه في الدنيا ، فما لكم من قدرة على شيء من الرزق إلا أن يهبكم إياه . وأنتم الفقراء إلى أجره في الآخرة ، فهو الذي يتفضل به عليكم ، وما أنتم بموفين شيئا مما عليكم ، فضلا على أن يفضل لكم شيء في الآخرة ، إلى أن يتفضل عليكم .

ففيم البخل إذن وفيم الشح ? وكل ما في أيديكم ، وكل ما ينالكم من أجر على ما تنفقون هو من عند الله ، ومن فضل الله ?

ثم الكلمة الأخيرة وهي فصل الخطاب . .

إن اختيار الله لكم لحمل دعوته تكريم ومن وعطاء . فإذا لم تحاولوا أن تكونوا أهلا لهذا الفضل ، وإذا لم تنهضوا بتكاليف هذه المكانة ، وإذا لم تدركوا قيمة ما أعطيتم فيهون عليكم كل ما عداه . . فإن الله يسترد ، ما وهب ، ويختار غيركم لهذه المنة ممن يقدر فضل الله :

( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم ) . .

وإنها لنذارة رهيبة لمن ذاق حلاوة الإيمان ، وأحس بكرامته على الله ، وبمقامه في هذا الكون وهو يحمل هذا السر الإلهي العظيم . ويمشي في الإرض بسلطان الله في قلبه ؛ ونور الله في كيانه ؛ ويذهب ويجيء وعليه شارة مولاه . .

وما يطيق الحياة وما يطعمها إنسان عرف حقيقة الإيمان وعاش بها ثم تسلب منه ، ويطرد من الكنف ، وتوصد دونه الأبواب . لا بل إن الحياة لتغدو جحيما لا يطاق عند من يتصل بربه ثم يطبق دونه الحجاب .

إن الإيمان هبة ضخمة ، لا يعدلها في هذا الوجود شيء ؛ والحياة رخيصة رخيصة ، والمال زهيد زهيد ، حين يوضع الإيمان في كفة ، ويوضع في الكفة الأخرى كل ما عداه . .

ومن ثم كان هذا الإنذار أهول ما يواجهه المؤمن وهو يتلقاه من الله . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

36

التفسير :

38- { ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } .

ها أنتم معشر المسلمين ، يأتيكم أمر الله ودعوته لكم بالإنفاق في سبيل الله ، بإخراج الزكاة والصدقة ، وتجهيز المقاتلين في سبيل الله ، والإنفاق على الجهاد والقتال ، وبعض المسلمين يبخل بالزكاة ، أو بالإنفاق على المجاهدين ، ومن يبخل فإنما وزر بخله يعود عليه ، وإثم منع الزكاة ومنع نفقات الجهاد يعود على المانع .

{ والله الغني . . . } فهو سبحانه غني بذاته ، لا تنفعه طاعتنا ، ولا تضره معصيتنا ، ولا يحتاج إلى إنفاق أموالنا عليه .

{ وأنتم الفقراء . . . } الناس بذاتهم في أشد الفقر إلى رزق الله لهم في الدنيا ، وإلى ثواب الله ورضوانه في الآخرة .

قال تعالى : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } . ( فاطر : 15 ) .

{ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } . وإن تعرضوا عن أحكام الله وشرائع دينه يذهبكم الله كما أذهب المكذبين قبلكم ، ويأت بقوم أطوع لله منكم ، يحرصون على طاعته ومرضاته ، تلك سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا .

وقد اختلف المفسرون في تعيين أولئك القوم الجدد ، فقيل : هم الملائكة ، أو الأنصار ، أو التابعون ، أو أهل اليمن ، أو كندة والنخع ، أو العجم ، أو فارس والروم ، والأولى تفويض ذلك إلى علم الله ، والخطاب لقريش أو لأهل المدينة ، والأولى جعل الخطاب متجددا بتجدد الأجيال والأمم ، سواء كان عند نزول الوحي أو بعد ذلك .

روى مسلم ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } . فقالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه ، ثم قال : ( هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس )11 .

ختام السورة:

موجز مقاصد سورة محمد صلى الله عليه وسلم

اشتملت سورة محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاثة مقاصد :

1- وصف الكافرين والمؤمنين من أول السورة إلى قوله سبحانه : { كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } . ( محمد : 3 ) .

2- جزاء الفريقين في الدنيا والآخرة ، من خذلان ونصر ، ونار وجنة ، من قوله تعالى : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب . . . } ( محمد : 4 ) إلى قوله تعالى : { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } . ( محمد : 19 ) .

3- الوعيد والتهديد للمنافقين والمرتدين ، من قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة . . . } ( محمد : 20 ) ، إلى آخر السورة .

ثم بحمد الله تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، ظهر يوم الأحد 28 من ربيع الآخر 1421 ، الموافق 30/7/2000م .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

11 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 1/430 تحقيق النجار . طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، مطابع شركة الإعلانات الشرقية 1964 .

2 التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، لبنان ، الجزء 26 ، ص 82 .

3 يغفر للشهيد كل ذنب :

رواه مسلم في الإمارة باب : من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين ( 1886 ) ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ) .

4 لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة :

رواه البخاري في باب القصاص يوم القيامة ( 6170 ) من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( يخلص المؤمنون من النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، فوالذي نفس محمد بيده ، لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ) .

5 المؤمن يأكل في معي واحد :

رواه البخاري في الأطعمة ، باب : المؤمن يأكل في معي واحد ( 5078 ، 5080 ) ، ومسلم في الأشربة ، باب : المؤمن يأكل في معي واحد ( 2062 ، 2063 ) ، من حديث نافع ، قال : كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتي بمسكين يأكل معه ، فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا ، فقال : يا نافع ، لا تدخل هذا علي ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ) .

6 مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 335 .

7 ما أسر عبد سريرة :

ذكره الهيثمي في المجمع ( 10/387 ) عن جندب بن سليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ) . وقال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه حامد بن آدم وهو كذاب .

8 صفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ، ص 213 ، نقلا عن التسهيل لعلوم التنزيل .

9 تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان ، للعلامة الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي 1307-1376ه ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، لبنان .

10 مختصر تفسير ابن كثير ، للشيخ محمد علي الصابوني ، الطبعة الثانية ، ألمانيا الغربية 1396 منقحة ، ( دار القرآن الكريم ) دمشق ، بيروت .

11 لو كان الدين عند الثريا :

رواه مسلم في باب فضل فارس ( 2546 ) من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس -أو قال : من أبناء فارس- حتى يتناوله ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

واللهُ قد طلب إليكم الإنفاق في سبيله ، فإن بخلتم فضرر ذلك عائد إليكم .

وهذا حاصل اليوم ، فإن معظم أموال البترول مكدّسة في بلاد الغرب ، والمسيطرون على هذه الأموال ينفقون على ملذّاتهم الملايين ، ويبخلون بالإنفاق في سبيل الله وتسليح المخلصين من العرب ليصدّوا عدونا اليهود وغيرهم من الأعداء .

{ هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء }

كأن الآيةَ نزلت في وقتنا الحاضر ، وهي صريحةٌُ في شرح أحوالنا .

وهنا يأتي التهديد المخيف إذ يقول تعالى :

{ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم }

فإن تعرِضوا وتبخَلوا بأموالكم ولا تنفقوا في سبيل الله ، فإن الله غنيٌّ عنكم يستبدلُ مكانكم قوماً غيركم ، فيكونوا خيراً منكم ، يقيمون دينه ، ويبذلون أموالَهم في سبيلِ الله بسَخاء ، وينصرون هذا الدينَ العظيم . اللهم ألهمنا الصوابَ في القول والعمل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

والدليل على أن الله لو طلب منكم أموالكم وأحفاكم بسؤالها ، أنكم تمتنعون منها ، أنكم { تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } على هذا الوجه ، الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية .

{ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ } أي : فكيف لو سألكم ، وطلب منكم أموالكم في غير أمر ترونه مصلحة عاجلة ؟ أليس من باب أولى وأحرى امتناعكم من ذلك .

ثم قال : { وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ } لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى ، وفاته خير كثير ، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا .

فإن الله هو { الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم ، لجميع أموركم .

{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا } عن الإيمان بالله ، وامتثال ما يأمركم به { يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } في التولي ، بل يطيعون الله ورسوله ، ويحبون الله ورسوله ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }

تم تفسير سورة القتال ، والحمد لله رب العالمين .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

{ ها أنتم هؤلاء } يا هؤلاء { تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل }

بالصدقة { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } لأن له ثواب ما أعطي فإذا لم يعط لم يستحق الثواب { والله الغني } عن صدقاتكم { وأنتم الفقراء } إليها في الآخرة { وإن تتولوا } عن الرسول { يستبدل قوما غيركم } أطوع منكم وهم فارس { ثم لا يكونوا } في الطاعة { أمثالكم } بل يكونوا أطوع منكم وهذا الخطاب للعرب اللهم يسر علينا كل عسير

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

قوله تعالى : " ها أنتم هؤلاء تدعون " أي ها أنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون " لتنفقوا في سبيل الله " أي في الجهاد وطريق الخير . " فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه " أي على نفسه ، أي يمنعها الأجر والثواب . " والله الغني " أي إنه ليس بمحتاج إلى أموالكم . " وأنتم الفقراء " إليها . " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " أي أطوع لله منكم . روى الترمذي عن أبى هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قالوا : ومن يستبدل بنا ؟ قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال : [ هذا وقومه . هذا وقومه ] قال : حديث غريب في إسناده مقال . وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد على بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال أنس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ، من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : وكان سلمان جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان ، قال : [ هذا وأصحابه . والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس ] . وقال الحسن : هم العجم . وقال عكرمة : هم فارس والروم . قال المحاسبي : فلا أحد بعد العربي من جميع أجناس الأعاجم أحسن دينا ، ولا كانت العلماء منهم إلا الفرس . وقيل : إنهم اليمن ، وهم الأنصار ، قاله شريح بن عبيد . وكذا قال ابن عباس : هم الأنصار . وعنه أنهم الملائكة . وعنه هم التابعون . وقال مجاهد : إنهم من شاء من سائر الناس . قال الطبري : أي في البخل بالإنفاق في سبيل الله . وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : [ هي أحب إلي من الدنيا ] . والله أعلم .

ختمت السورة بحمد الله وعونه ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه الأطهار .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

قوله : { هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله } يعني ها أنتم هؤلاء أيها الناس يدعوكم ربكم لتنفقوا في مجاهدة أعداء الله ونصرة دينه ، وفي غير ذلك من وجوه الخير { فمنكم من يبخل } أي يبخل عن النفقة فيضن بالبذل في سبيل الله { من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } من يبخل دون بذلك المال في سبيل الله أو في وجوه الخير فإنه لا يبخل إلا عن نفسه ، بحرمانها الثواب وحسن الجزاء .

قوله : { والله الغني وأنتم الفقراء } لا حاجة لله في أموالكم ، فهو سبحانه مالك الملك وهو الغني عن العالمين . وهو الذي يمن عليكم أن رزقكم الخير من فضله وملكه ، فأنتم المحتاجون لعطاء الله ، الفقراء إليه .

قوله : { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم } يعني : وإن تعرضوا عن دين الإسلام ، وهو دين الحق والعدل والرحمة والتوحيد فتنقلبوا مرتكسين خاسرين فإن الله يذهب بكم ويأت بآخرين بدلا منكم وهم خير منكم . وهو قوله : { ثم لا يكونوا أمثالكم } أي لا يشبهونكم في الإعراض عن دين الله . أو في البخل بالنفقة وبذلك المال في سبيل الله .