الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

ثم وقف اللَّه تعالى عباده المؤمنين على جهة التوبيخ لبعضهم بقوله : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ } وكرر «هاء » التنبيه ؛ تأكيداً .

وقوله تعالى : { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي : بالثواب { والله الغني } أي : عن صدقاتكم { وَأَنتُمُ الفقراء } إلى ثوابها .

( ت ) : هذا لفظ الثعلبيِّ ، قال ( ع ) : يقال : بَخِلْتُ عليك بكذا ، وبخلت عنك بمعنى أمسكت عنك ، وروى التِّرْمِذِيُّ عن أبي هريرةَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ ، قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ ، قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ " ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن . غريب ، انتهى .

وقوله سبحانه : { وَإنْ تَتَولَّوا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } قالت فرقة : هذا الخطاب لجميعِ المسلمين والمشركين والعرب حينئذٍ ، والقوم الغير هم فارس ، وروى أبو هريرةَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ هذا وَكَانَ سَلْمَانُ إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَقَالَ : " قَوْمُ هَذَا ؛ لَوْ كَانَ الدِّينُ في الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ " . وقوله سبحانه : { ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } معناه : في الخلاف والتوَلى والبُخْلِ بالأموال ونحوِ هذا ، وحكى الثعلبيُّ قولاً أَنَّ القوم الغير هم الملائكة .

( ت ) : وليس لأحد مع الحديث : إذا صَحَّ نظر ، ولولا الحديثُ لاحتمل أن يكون الغير ما يأتي من الخَلَفِ بعد ذهاب السَّلَفِ ، على ما ذكر في غير هذا الموضع .