البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

{ ها أنتم هؤلاء } : كررها التنبيه توكيداً ، وتقدم الكلام على هذا التركيب في سورة آل عمران .

وقال الزمخشري : هؤلاء موصول بمعنى الذين صلته تدعون ، أي أنتم الذين تدعون ، أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ؛ ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وصفنا فقيل : تدعون لتنفقوا في سبيل الله . انتهى .

وكون هؤلاء موصولاً إذا تقدمها ما الاستفهامية باتفاق ، أو من الاستفهامية باختلاف .

{ في سبيل الله } ، قيل : للغزو ، وقيل : الزكاة ، واللفظ أعم .

{ ومن يبخل } : أي بالصدقة وما أوجب الله عليه ؛ { فإنما يبخل على نفسه } : أي لا يتعدى ضرره لغيره .

وبخل يتعدى بعلى وبعن .

يقال : بخلت عليه وعنه ، وصليت عليه وعنه ؛ وكأنهما إذا عديا بعن ضمناً معنى الإمساك ، كأنه قيل : أمسكت عنه بالبخل .

{ والله الغني وأنتم الفقراء } : أي الغني مطلقاً ، إذ يستحيل عليه الحاجات .

وأنتم الفقراء مطلقاً ، لافتقاركم إلى ما تحتاجون إليه في الدنيا ، وإلى الثواب في الآخرة .

{ وإن تتولوا } : عطف على : { وإن تؤمنوا وتتقوا } ، أي وإن تتولوا ، أي عن الإيمان والتقوى .

{ يستبدل قوماً غيركم } : أي يخلق قوماً غيركم راغبين في الإيمان والتقوى ، غير متولين عنهما ، كما قال : { ويأت بخلق جديد } وتعيين أولئك القوم ، وأنهم الأنصار ، أو التابعون ، أو أهل اليمن ، أو كندة والنخع ، أو العجم ، أو فارس والروم ، أو الملائكة ، أقوال .

والخطاب لقريش ، أو لأهل المدينة ، قولان .

وروى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن هذا ، وكان سلمان إلى جنبه ، فوضع يده على فخذه وقال : « قوم هذا والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس » وإن صح هذا الحديث ، وجب المصير في تعيين ما انبهم من قوله : { قوماً غيركم } إلى تعيين الرسول .

{ ثم لا يكونوا أمثالكم } : أي في الخلاف والتولي والبخل .