جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم} (38)

{ هأنتم هؤلاء } ، مبتدأ وخبر أي : أنتم هؤلاء الموصوفون وحينئذ قوله :{ تدعون لتنفقوا } ، استئناف مقرر لذلك ، أو هؤلاء موصول ، وتدعون صلته ، { في سبيل الله } : طرق الخير ، { فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه } : ضرر البخل راجع إليها ، { والله الغني وأنتم الفقراء } : فلا يأمركم إلا بما يسد احتياجكم ، { وإن تتولوا } ، عطف على وإن تؤمنوا ، { يستبدل قوما غيركم } : يقم مقامكم قوما آخرين ، { ثم لا يكونوا أمثالكم{[4643]} } : في التولي ؛ بل سامعين طائعين ، وفي الحديث " من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونا أمثالنا ، فضرب عليه السلام يده على كتف سلمان ، ثم قال : هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس " {[4644]} وعن الحسن : هم العجم ، وعن عكرمة : فارس والروم .

ولله الحمد والمنة .


[4643]:وقوله: {ثم لا يكونوا أمثالكم} فيه مسألة نحوية يتبين منها فوائد عزيزة، وهي أن النحاة قالوا: يجوز في المعطوف على جواب الشرط بالواو والفاء وثم الجزم والرفع جميعا قال الله تعالى هاهنا {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} بالجزم، وقال في موضع آخر، {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}[آل عمران:111] بالرفع بإثبات النون وهو مع الجواز ففيه تدقيق، وهو أن هاهنا لا يكون متعلقا بالتولي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي بهم الله على الطاعة، وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين، وكون من يـأت بهم مطيعين وأما هناك سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون، فلن يكون للتعليق هناك وجه، فرفع بالابتداء، وهاهنا جزم للتعليق/12 كبير.
[4644]:"صحيح" أخرجه الترمذي والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل وغيرهم، وانظر صحيح سنن الترمذي (2599).