في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

وبعد هذه النداءات المتكررة للذين آمنوا ؛ وأخذهم إلى ذلك الأفق السامي الوضيء من الآداب النفسية والاجتماعية ؛ وإقامة تلك السياجات القوية من الضمانات حول كرامتهم وحريتهم وحرماتهم ، وضمان هذا كله بتلك الحساسية التي يثيرها في أرواحهم ، بالتطلع إلى الله وتقواه . .

بعد هذه المدارج إلى ذلك الأفق السامق ، يهتف بالإنسانية جميعها على اختلاف أجناسها وألوانها ، ليردها إلى أصل واحد ، وإلى ميزان واحد ، هو الذي تقوم به تلك الجماعة المختارة الصاعدة إلى ذلك الأفق السامق :

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله عليم خبير ) . .

يا أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا ، المتفرقون شعوبا وقبائل . إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا .

يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان ، واختلاف الطباع والأخلاق ، واختلاف المواهب والاستعدادات ، فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق ، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم ، ويعرف به فضل الناس : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) . . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين : ( إن الله عليم خبير ) . .

وهكذا تسقط جميع الفوارق ، وتسقط جميع القيم ، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة ، وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر ، وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان .

وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض ؛ وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس . ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون : ألوهية الله للجميع ، وخلقهم من أصل واحد . كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته : لواء التقوى في ظل الله . وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من عقابيل العصبية للجنس ، والعصبية للأرض ، والعصبية للقبيلة ، والعصبية للبيت . وكلها من الجاهلية وإليها ، تتزيا بشتى الأزياء ، وتسمى بشتى الأسماء . وكلها جاهلية عارية من الإسلام !

وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها ، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة : راية الله . . لا راية الوطنية . ولا راية القومية . ولا راية البيت . ولا راية الجنس . فكلها رايات زائفة لا يعرفها الإسلام .

قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان " .

وقال[ صلى الله عليه وسلم ] عن العصبية الجاهلية : " دعوها فإنها منتنة " .

وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي . المجتمع الإنساني العالمي ، الذي تحاول البشرية

في خيالها المحلق أن تحقق لونا من ألوانه فتخفق ، لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم . . الطريق إلى الله . . ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمعة . . راية الله . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

11

المفردات :

من ذكر وأنثى : من آدم وحواء ، قال إسحاق الموصلي :

الناس في عالم التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم في أصلهم شرف *** يفاخرون به فالطين والماء

شعوبا وقبائل : الشعوب : رؤوس القبائل ، كربيعة ومضر ، والقبائل فروعها .

قال في تفسير المراغي :

والشعوب واحدهم شعب ( بفتح الشين وسكون العين ) ، وهو الحي العظيم المنتسب إلى أصل واحد ، كربيعة ومضر ، والقبيلة دونه كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر ، وحكى أبو عبيدة أن طبقات النسل التي عليها العرب سبع :

الشعب ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، ثم العشيرة ، وكل واحد منها يدخل فيما قبله .

فالقبائل تحت الشعوب ، والعمائر تحت القبائل ، والبطون تحت العمائر ، والأفخاذ تحت البطون ، والفصائل تحت الأفخاذ ، والعشائر تحت الفصائل .

فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ( بفتح العين وكسرها ) وقصيّ بطن ، وعبد مناف فخذ ، وهاشم فصيلة ، والعباس عشيرة ، وسمي الشعب شعبا لتشعب القبائل منه كتشعب أغصان الشجرة .

التفسير :

13- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

تأتي هذه الآية في أعقاب الآداب الإسلامية السابقة ، والنهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ، وظن السوء ، والتجسس والغيبة .

والمعنى :

يا كل الناس ، لماذا التعالي على عباد الله ، أو السخرية منهم ، أو غيبتهم ، أو ظن السوء بهم ، إنكم جميعا من أصل واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، فقد خلق الله آدم بيده وزوّجه حواء ، ومن نسل آدم وحواء خلق جميع البشر ، فلماذا التعالي والتفاخر والترفع والتكبر على الآخرين إذا كنتم جميعا من أصل واحد ، ومن إناء واحد ؟

قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، ألا هل بلّغت ) ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : ( ليبلّغ الشاهد منكم الغائب )22 .

{ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . . . }

الشعوب : الجمهور الكبير من الناس ، والقبائل : العائلات الكبيرة ، ومنها تتفرع الفروع الصغيرة ، تقول : أنا من شعب مصر ، ومن محافظة كذا ، ومن بلدة كذا ، ومن قبيلة كذا ، أو من عائلة كذا ، وبذلك يعرف الناس أنسابهم وأصولهم ، ويحافظون على أنسابهم بالزواج الشرعي ، والبعد عن الزنا والسفاح .

قال صلى الله عليه وسلم : ( ولدت من نكاح ، ولم أولد من سفاح )23 .

وقد كان الناس -عربا أو عجما- عند نزول الآية قبائل متمايزة ، ضمن شعوب تعمهم ، ولكنهم الآن في معظم الأمم قد اختلط بعضهم ببعض ، وأصبح التعارف بينهم بالانتماء إلى الأمم ، وبيان البلدان التي يعيشون فيها ، والمساكن التي يأوون إليها .

{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم . . . }

أي : لقد جعلت النسب للتعارف وصلة الرحم ، وليس للتعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب ، فإن السمو الحقيقي ورفعة المنزلة إنما تكون بتقوى الله ومراقبته ، والعمل بما يرضيه ، والبعد عما نهى الله عنه .

أخرج ابن أبي حاتم ، والترمذي ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال : ( يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية –أي : تكبرها- وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى ، إن الله عز وجل يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) .

وروى مسلم ، وابن ماجة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )24 .

وعند الطبراني ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه ، وإنما أنتم بنو آدم ، وأحبكم إليه أتقاكم )25 .

{ إن الله عليم خبير } .

هو سبحانه مطلع على القلوب ، عليم بأحوال عباده ، خبير بأفعالهم ، فيثيب من تخلق بهذه الأخلاق ، ويعاقب من أعرض عنها .

في أعقاب التفسير

1- احتج مالك بقوله تعالى : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى . . . } على عدم اشتراط النسب في الكفاءة في الزواج ، إلا الدين ، فيجوز زواج المولى بالعربية ، وقد تزوج سالم مولى امرأة26 من الأنصار امرأة عربية حرة ، حيث تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وأنكحه هند بنت أخيه الوليد بن عتبة ، وتزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمان بن عوف ، وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، فالكفاءة إنما تراعى في الدين فقط .

روى أحمد ، وأصحاب الكتب الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )27 .

وقال الجمهور : يراعى الحسب والمال عملا بالأعراف ، ومراعاة لواقع الحياة المعيشية ، وتحقيقا لهدف الزواج وهو الدوام والاستقرار .

وأرى أن هذه الأمور متشابكة ، ولا نستطيع الفصل بينها بسهولة .

والحل :

1- أن نعطي للدين والتقوى درجات كبيرة للزوجة والزوج ، مع مراعاة الأمور الأخرى بنسبة ما ، وبذلك نجمع بين ما رآه مالك وما رآه غيره .

2- أورد الإمام ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية التي تنهي عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، ثم قال : فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ورسوله .

روى البخاري بسنده ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرمهم ؟ قال : ( أكرمهم أتقاهم ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن يعقوب نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فعن معادن العرب تسألون ) ؟ قالوا : نعم ، قال : ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )28 .

3- وردت أحاديث نبوية كريمة في معنى الآية ، منها ما رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجُعْلان )29 .

وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم ، وأبيتم إلا أن تقولوا : فلان ابن فلان ، وأنا اليوم أرفع نسبي لأضع أنسابكم ، أين المتقون ) ؟

وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا : ( إن أولياء أبي ليسوا لي بأولياء ، إن وليي الله وصالحو المؤمنين )30 .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } أي كلكم بنو أب واحد وأم واحدة فلا تفاضل بينكم في النسب { وجعلناكم شعوبا } وهي رؤوس القبائل كربيعة ومضر { وقبائل } وهي دون الشعوب كبكر من ربيعة وتميم من مضر { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده لا لتتفاخروا بها ثم أعلم أن أرفعهم عنده منزلة أتقاهم فقال { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الآية

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

ولما ذكر سبحانه الأخوة الدينية تذكيراً بالعاطف الموجب للإكرام ، المانع من الانتقام{[60889]} ، ونهى عن أمور يجر إليها الإعجاب بالنفس من جهة التعظيم بالآباء والعراقة في النسب العالي ، أسقط ذلك-{[60890]} مبيناً أن لا نسب إلا ما يثمره الإيمان الذي بدأ به من التقوى ، وعبر بما يدل على الذبذبة والاضطراب إشارة إلى سفول رتبة من افتخر بالنسب ، وإلى أن-{[60891]} من لم-{[60892]} يتعظ بما مضى فيعلو عن رتبة الذين آمنوا فقد سفل سفولاً عظيماً : { يا أيها الناس } أي كافة المؤمن وغيره { إنا } على عظمتنا {[60893]}وقدرتنا{[60894]} { خلقناكم } أي أوجدناكم عن العدم على ما أنتم عليه من المقادير في صوركم وما أنتم عليه من التشعب الذي{[60895]} يفوت الحصر ، وأخرجنا كل واحد منكم{[60896]} { من ذكر } هو المقصود بالعزم والقوة { وأنثى } هي موضع{[60897]} الضعف والراحة ، لا مزية لأحد منكم في ذلك على آخر ، ولا فخر في نسب .

ولما كان تفضيلهم إلى فرق لكل منهما تعرف به-{[60898]} أمراً باهراً ، عبر فيه{[60899]} بنون العظمة فقال : { وجعلناكم } أي بعظمتنا { شعوباً } تتشعب{[60900]} من أصل واحد ، جمع شعب بالفتح وهو-{[60901]} الطبقة الأولى من الطبقات الست من طبقات النسب التي عليها العرب { وقبائل } تحت الشعوب ، وعمائر تحت القبائل ، وبطوناً تحت العمائر ، وأفخاذاً تحت البطون{[60902]} ، وفصائل تحت الأفخاذ ، والعشائر تحت الفصائل ، خزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصيّ بطن ، وعبد مناف فخذ ، وهاشم فصيلة ، والعباس عشيرة ، قال البغوي{[60903]} : وليس بعد العشيرة حي يوصف به - انتهى . واقتصر على الأولين لأنهما أقصى ما يسهل على الآدمي معرفته فما دونه أولى ، ثم ذكر علة التشعب ليوقف عندها فقال : { لتعارفوا } أي ليعرف الإنسان من يقاربه في النسب ليصل من رحمه ما يحق له ، لا لتواصفوا وتفاخروا .

ولما كانت فائدة التفاخر بالتواصف{[60904]} عندهم الإكرام لمن كان أفخر ، فكانت الآية السالفة التي ترتبت{[60905]} عليها هذه آمرة بالتقوى كان التقدير : فتتقوا الله في أقاربكم وذوي أرحامكم ، فقال مبطلاً للتفاخر بالأنساب معللاً لما أرشد إلى تقديره السياق مؤكداً لأجل ما عندهم من أن الكرم إنما هو بالنسب : { إن أكرمكم } أيها المتفاخرون { عند الله } أي الملك الذي لا أمر لأحد معه ولا كريم إلا من أكرمكم بكرمه ولا كمال لأحد سواه { أتقاكم } فذلك هو الذكر الذي يصح أصله باقتدائه بأبيه آدم عليه السلام فلم يمل إلى الأنوثة وإن كان أدناكم نسباً ولذلك{[60906]} أكده ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " أي علموا{[60907]} بأن{[60908]} كانت لهم ملكة الفقه فعملوا بما علموا كما قال الحسن رحمه الله : إنما الفقيه العامل بعلمه . وقد تقدم أن هذا هو-{[60909]} المراد بقوله تعال :

{ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }[ الزمر : 9 ] لما دل عليه سياقها وسباقها ، والأتقى لا يفتخر على غيره لأنه لا يعتقد أنه أتقى ، قال الرازي في اللوامع : أكرم الكرم التقوى ، وهو مجمع الفضائل الإنسانية ، وألأم اللؤم الفجور ، وذلك أن الكرم اسم للأفعال المحمودة ، وهذه الأفعال إنما تكون محمودة إذا كانت عن علم ، وقصد بها الله ، وهذا هو التقوى ، فليس التقوى إلا العلم وتحري الأفعال المحمودة - انتهى . وذلك لأن{[60910]} التقوى تثبت الكمالات وتنفي النقائص فيصير صاحبها بشرياً ملكياً .

ولما كان هذا مركوزاً في طبائعهم مغروزاً في جبلاتهم متوارثاً{[60911]} عندهم أن الفخر إنما هو بالأنساب ، وأن الكريم إنما هو من طاب أصله ، وكان قلع ذلك من نفوسهم فيما أجرى به سبحانه العادة في دار الأسباب يتوقف على تأكيد ، أكد سبحانه معللاً قوله لإخباره بالأكرم : { إن الله } أي المحيط علماً وقدرة { عليم } أي بالغ العلم بالظواهر { خبير * } محيط العلم بالبواطن والسرائر أيضاً ، روى البغوي{[60912]} بسند من طريق عبد الله بن حميد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته ليستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخاً فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم ثم حمد الله وأثنى عليه وقال :

" الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها بآبائها ، إنما الناس رجلان : برّ تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله - ثم تلا " يا أيها الناس " الآية ، ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " وأخرجه أبو داود{[60913]} والترمذي{[60914]} وحسنه-{[60915]} والبيهقي - قال المنذري{[60916]} ، بإسناد حسن ، و-{[60917]} اللفظ له - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال : " إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، الناس بنو آدم وآدم من تراب ، مؤمن تقي وفاجر شقي ، لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو{[60918]} ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها " .


[60889]:في مد: الانتقاص.
[60890]:زيد من مد.
[60891]:زيد من مد.
[60892]:زيد من مد.
[60893]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60894]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60895]:من مد، وفي الأصل: التي.
[60896]:من مد، وفي الأصل منهم.
[60897]:في مد: مواطن.
[60898]:زيد من مد.
[60899]:من مد، وفي الأصل: به.
[60900]:من مد، وفي الأصل: تشعبوا.
[60901]:زيد من مد.
[60902]:زيد من مد.
[60903]:في الأصل و م: العمائر.
[60904]:في معالم التنزيل بهامش لباب التأويل 6/191.من مد، وفي الأصل: بالوصف.
[60905]:من مد، وفي الأصل: رتب.
[60906]:في مد: أخبركم.
[60907]:من مد، وفي الأصل: كذلك.
[60908]:في مد: فعملوا.
[60909]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[60910]:زيد من مد.من مد، وفي الأصل:أن.
[60911]:من مد، وفي الأصل: متوازيا.
[60912]:راجع المعالم بهامش اللباب 6/192.
[60913]:راجع السنن 2/350.
[60914]:راجع الجامع أبواب التفسير 2/159.
[60915]:زيد من مد.
[60916]:في الترغيب والترهيب.
[60917]:زيد من مد.
[60918]:من مد، وفي الأصل "و".