في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

17

ومع هذا كله فقد تعرض داود للفتنة والابتلاء ؛ وكانت عين الله عليه لترعاه وتقود خطاه ، وكانت يد الله معه تكشف له ضعفه وخطأه ، وتوقيه خطر الطريق وتعلمه كيف يتوقاه :

( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ? إذ دخلوا على داود ففزع منهم . قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض . فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط . واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلنيها ، وعزني في الخطاب . قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات - وقليل ما هم - وظن داود أنما فتناه . فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) . .

وبيان هذه الفتنة أن داود النبي الملك ، كان يخصص بعض وقته للتصرف في شؤون الملك ، وللقضاء بين الناس . ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحاً لله في المحراب . وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس .

وفي ذات يوم فوجى ء بشخصين يتسوران المحراب المغلق عليه . ففزع منهم . فما يتسور المحراب هكذا مؤمن ولا أمين ! فبادرا يطمئنانه . ( قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض ) . وجئنا للتقاضي أمامك ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

21

المفردات :

ففزع منهم : الفزع : انقباض يعتري الإنسان من الشيء المخيف .

بغى بعضنا : جار وظلم .

ولا تشطط : الشطط : مجاورة الحق في كل شيء ، يقال : شط فلان على فلان في الحكم ، واشتط ، إذا ظلم وتجاوز الحق إلى الباطل .

واهدنا : دلّنا وأرشدنا .

سواء الصراط : الطريق السوّي .

التفسير :

22-{ إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط } .

فما إن دخلوا على داود حتى فزع خوفا منهم ، فهو متفرغ للعبادة ، وحوله حراس ، ولم يأتوه من الباب ، ولم يستأذنوا في الدخول عليه ، ولم يأتوه في اليوم الذي يجلس فيه للقضاء ، فظن أنهم يريدون به سوءا ، كالقتل أو الإيذاء ، لكنهم بادروه مطمئنين ، وقالوا له : لا تخف منا ، فما أردنا بك سوءا لكن قصدناك لتقضي بيننا في خصومة ، فنرجو أن تحكم بيننا بالحق والعدل ، ولا تبتعد بالإنصاف إلى الشطط والجور ، وأرشدنا إلى الطريق السوّي الذي نتبعه ، فقد بغى أحدنا على الآخر ، ويبدوا أن الذي كلم داود وطلب منه الحكم بالعدل ، والبعد عن الجور والظلم ، وهو ذلك الخصم الذي شعر بمرارة الظلم وفداحته ، فلم يتلطف في القول ، وتجرأ في أمر داود بالحكم بالعدل والبعد عن الشطط ، وكان نبي الله داود مثلا يحتذى ، ونموذجا يقتدى به في احتمال خطأ الخصوم ، والصبر والاحتمال والحلم والابتعاد عن الغضب .

من تفسير القرطبي

قال القرطبي :

فإن قيل : لِمَ فزع داود وهو نبي ، وقد قويت نفسه بالنبوّة ، واطمأنت بالوحي ، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات وكان من الشجاعة في غاية المكانة ؟

قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمنوا القتل والأذية ، ومنهم من كان يخاف ، ألا ترى إلى موسى وهارون – عليهما السلام – كيف قالا : { إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } . [ طه : 45 ] أي : فرعون ، فقال الله لهما : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } . [ طه : 46 ] .

ويمكن أن نزيد على الكلام القرطبي ما يأتي : إن داود جاء في أعقاب موسى ، وقد اعتدى بنو إسرائيل على الأنبياء بالقتل .

قال تعالى : { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغر حق . . . } [ آل عمران : 181 ] .

وقال تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق . . . } [ النساء : 155 ] .