فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

والعامل في { إذ } في قوله : { إِذْ دَخَلُواْ } النبأ ، أي : هل أتاك الخبر الواقع في وقت تسورهم ؟ وبهذا قال ابن عطية ومكي وأبو البقاء . وقيل : العامل فيه أتاك . وقيل : معمول للخصم . وقيل : معمول لمحذوف ، أي : وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم . وقيل : هو معمول لتسوروا . وقيل : هو بدل مما قبله . وقال الفراء : إن أحد الظرفين المذكورين بمعنى : لما { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } ، وذلك لأنهما أتياه ليلاً في غير وقت دخول الخصوم ، ودخلوا عليه بغير إذنه ، ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس . قال ابن الأعرابي : وكان محراب داود من الامتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي إليه آدمي بحيلة ، وجملة : { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فماذا قالوا لداود لما فزع منهم ؟ وارتفاع { خَصْمَانِ } ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي نحن خصمان ، وجاء فيما سبق بلفظ الجمع ، وهنا بلفظ التثنية ، لما ذكرنا من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد ، والمثنى ، والمجموع ، فالكل جائز . قال الخليل : هو كما تقول : نحن فعلنا كذا : إذا كنتما اثنين . وقال الكسائي : جمع لما كان خبراً ، فلما انقضى الخبر ، وجاءت المخاطبة أخبر الاثنان عن أنفسهما ، فقالا : خصمان ، وقوله : { بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ } هو على سبيل الفرض والتقدير ، وعلى سبيل التعريض ؛ لأن من المعلوم أن الملكين لا يبغيان . ثم طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ، ونهياه عن الجور ، فقالا : { فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ } أي لا تجر في حكمك ، يقال : شط الرجل ، وأشط شططاً ، وإشطاطاً : إذا جار في حكمه . قال أبو عبيد : شططت عليه وأشططت أي جرت . وقال الأخفش : معناه لا تسرف ، وقيل : لا تفرط ، وقيل : لا تمل .

والمعنى متقارب ، والأصل فيه البعد ، من شطت الدار : إذا بعدت . قال أبو عمرو : الشطط مجاوزة القدر في كل شيء { واهدنا إلى سَوَاء الصراط } سواء الصراط : وسطه . والمعنى : أرشدنا إلى الحق ، واحملنا عليه .

/خ25