إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

وقوله تعالى : { إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ } بدلٌ ممَّا قبله أو ظرف لتسوَّروا { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } رُوي أنَّه تعالى بعثَ إليه مَلكين في صورة إنسانينِ قيل : هما جبريلُ وميكائيلُ عليهما السَّلامُ فطلبا أنْ يدخلا عليه فوجداهُ في يوم عبادته فمنعهُما الحَرَسُ فتسوَّروا عليه المحراب بمن معهُما من الملائكةِ فلم يشعرْ إلاَّ وهُما بين يديه جالسانِ ففزِع منهم لأنَّهم نزلُوا عليه من فوق على خلافِ العادةِ والحَرَسُ حوله في غير يوم الحُكومةِ والقضاء . قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : إنَّ داودَ عليه السَّلامُ جزَّأ زمانَه أربعةَ أجزاءٍ يوماً للعبادة ويوماً للقضاء ويوماً للاشتغال بخاصَّةِ نفسه ويوماً للوعظ والتَّذكيرِ . { قَالُواْ } استئناف وقع جواباً عن سؤالٍ نشأ من حكايةِ فزعِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، وكأنَّه قيل : فماذا قالتِ الملائكةُ عند مشاهدتِهم لفزعِه ، فقيل قالوا إزالةً لفزعِه { لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ } أي نحنُ فوجانِ متخاصمانِ على تسمية مصاحب الخصم خَصْماً { بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ } هو على الفرض وقصد التَّعريضِ فلا كذبَ فيه { فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ } أي لا تجُر في الحُكومةِ وقرئ ولا تشطُطْ أي لا تبعُد عن الحقِّ وقرئ ولا تشطّط ولا تشاطِطْ وكلُّها من معنى الشَّططِ وهو مجاوزةُ الحدِّ وتخطِّي الحقِّ { واهدنا إلى سَوَاء الصراط } إلى وسطِ طريقِ الحقِّ بزجر الباغي عمَّا سلكه من طريق الجَوْرِ وإرشاده إلى منهاجِ العدلِ .