النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ} (22)

{ إذ دخلوا على داود ففزع منهم } وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى : إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم ، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك ، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه ، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها ، قال السدي فوقعت في قلبه ، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله ، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا ، فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه .

وفي فزعه منهما قولان : أحدهما : لأنهم تسوروا عليه من غير باب . الثاني : لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر .

{ قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض } : وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يأتي منهما كذب ، وتقدير كلامهما : ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض .

وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال : { وهل أتاك نبأ الخصم } لأن جملتهم جمعت ، وهم فريقان كل واحد منهما خصم .

{ فاحكم بيننا بالحق } أي بالعدل . { ولا تشطط } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : لا تملْ ، قاله قتادة . الثاني : لا تَجُر ، قاله السدي . الثالث : لا تسرف ، قاله الأخفش .

وفي أصل الشطط قولان : أحدهما : أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت ، قال الشاعر :

تشط غداً دار جيراننا *** والدار بعد غد أبعد

الثاني : الإفراط . قال الشاعر :

ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي *** وزعمن أن أودى بحقّي باطلي

{ واهدِنا إلى سواءِ الصراط } فيه وجهان : أحدهما : أرشدنا إلى قصد الحق ، قاله يحيى . الثاني : إلى عدل القضاء ، قاله السدي .