والحكم التالي يختص بعدد الطلقات ، وحق المطلقة في تملك الصداق ، وحرمة استرداد شيء منه عند الطلاق ، إلا في حالة واحدة : حالة المرأة الكارهة التي تخشى أن ترتكب معصية لو بقيت مقيدة بهذا الزواج المكروه . وهي حالة الخلع التي تشتري فيها المرأة حريتها بفدية تدفعها :
( الطلاق مرتان . فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا . إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به . تلك حدود الله فلا تعتدوها . ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) . .
الطلاق الذي يجوز بعده استئناف الحياة مرتان . فإذا تجاوزهما المتجاوز لم يكن إلى العودة من سبيل إلا بشرط تنص عليه الآية التالية في السياق . وهو أن تنكح زوجا غيره ، ثم يطلقها الزوج الآخر طلاقا طبيعيا لسبب من الأسباب ، ولا يراجعها فتبين منه . . وعندئذ فقط يجوز لزوجها الأول أن ينكحها من جديد ، إذا ارتضته زوجا من جديد .
وقد ورد في سبب نزول هذا القيد ، أنه في أول العهد بالإسلام كان الطلاق غير محدد بعدد من المرات . فكان للرجل أن يراجع مطلقته في عدتها ، ثم يطلقها ويراجعها . هكذا ما شاء . . ثم إن رجلا من الأنصار اختلف مع زوجته فوجد عليها في نفسه ، فقال : والله لا آويك ولا أفارقك . قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك . فذكرت ذلك للرسول [ ص ] فأنزل الله عز وجل : ( الطلاق مرتان ) . .
وحكمة المنهج الرباني الذي أخذ به الجماعة المسلمة مطردة في تنزيل الأحكام عند بروز الحاجة إليها . . حتى استوفى المنهج أصوله كلها على هذا النحو . ولم يبق إلا التفريعات التي تلاحق الحالات الطارئة ، وتنشىء حلولا مستمدة من تلك الأصول الشاملة .
وهذا التقييد جعل الطلاق محصورا مقيدا ؛ لا سبيل إلى العبث باستخدامه طويلا . فإذا وقعت الطلقة الأولى كان للزوج في فترة العدة أن يراجع زوجه بدون حاجة إلى أي إجراء آخر . فأما إذا ترك العدة تمضي فإنها تبين منه ؛ ولا يملك ردها إلا بعقد ومهر جديدين . فإذا هو راجعها في العدة أو إذا هو أعاد زواجها في حالة البينونة الصغرى كانت له عليها طلقة أخرى كالطلقة الأولى بجميع أحكامها . فأما إذا طلقها الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى بمجرد إيقاعها فلا رجعة فيها في عدة ، ولا عودة بعدها إلا أن ينكحها زوجا آخر . ثميقع لسبب طبيعي أن يطلقها . فتبين منه لأنه لم يراجعها . أو لأنه استوفى عليها عدد مرات الطلاق . فحينئذ فقط يمكن أن تعود إلى زوجها الأول .
إن الطلقة الأولى محك وتجربة كما بينا . فأما الثانية فهي تجربة أخرى وامتحان أخير . فإن صلحت الحياة بعدها فذاك . وإلا فالطلقة الثالثة دليل على فساد أصيل في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة .
وعلى أية حال فما يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجا أخيرا لعلة لا يجدي فيها سواه . فإذا وقعت الطلقتان : فإما إمساك للزوجة بالمعروف ، واستئناف حياة رضية رخية ؛ وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء . وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط في الحياة جديد . . وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية ؛ ولا يستنكرها حيث لا يجدي الاستنكار ، ولا يعيد خلق بني الإنسان على نحو آخر غير الذي فطرهم الله عليه . ولا يهملها كذلك حيث لا يجدي الإهمال !
ولا يحل للرجل أن يسترد شيئا من صداق أو نفقة أنفقها في أثناء الحياة الزوجية في مقابل تسريح المرأة إذا لم تصلح حياته معها . ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية ؛ وتحس أن كراهيتها له ، أو نفورها منه ، سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة ، أو العفة ، أو الأدب . فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه ؛ وأن تعوضه عن تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه ؛ برد الصداق الذي أمهرها إياه ، أو بنفقاته عليها كلها أو بعضها لتعصم نفسها من معصية الله وتعدي حدوده ، وظلم نفسها وغيرها في هذه الحال . وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس ؛ ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها ؛ ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها ؛ وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه .
ولكي نتصور حيوية هذا النص ومداه ، يحسن أن نراجع سابقة واقعية من تطبيقه على عهد رسول الله [ ص ] تكشف عن مدى الجد والتقدير والقصد والعدل في هذا المنهج الرباني القويم .
روى الإمام مالك في كتابه : الموطأ . . أن حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس . وأن رسول الله [ ص ] خرج في الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس . فقال رسول الله [ ص ] : " من هذه ؟ " قالت : أنا حبيبة بنت سهل ! فقال : " ما شأنك ؟ " فقالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله [ ص ] : " هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر " . . فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله [ ص ] : " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها .
وروى البخاري - بإسناده - عن ابن عباس رضي الله عنهما - أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي [ ص ] فقالت : يا رسول الله . ما اعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكن أكره الكفر في الإسلام . فقال رسول الله [ ص ] : " أتردين عليه حديقته ؟ " [ وكان قد أمهرها حديقة ] قالت : نعم . قال رسول الله [ ص ] : " أقبل الحديقة وطلقها تطليقة " . .
وفي رواية أكثر تفصيلا رواها ابن جرير بإسناد - عن أبي جرير أنه سأل عكرمة : هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي . إنها أتت رسول الله [ ص ] فقالت : يا رسول الله ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا . إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . فقال زوجها : يا رسول اللهإني قد أعطيتها أفضل مالي : حديقة لي . فإن ردت علي حديقتي . قال : ما تقولين ؟ قالت : نعم وإن شاء زدته . قال : ففرق بينهما . .
ومجموعة هذه الروايات تصور الحالة النفسية التي قبلها رسول الله [ ص ] وواجهها مواجهة من يدرك أنها حالة قاهرة لا جدوى من استنكارها وقسر المرأة على العشرة ؛ وأن لا خير في عشرة هذه المشاعر تسودها . فاختار لها الحل من المنهج الرباني الذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية ؛ ويعامل النفس الإنسانية معاملة المدرك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقية .
ولما كان مرد الجد أو العبث ، والصدق أو الاحتيال ، في هذه الأحوال . . هو تقوى الله ، وخوف عقابه . جاء التعقيب يحذر من اعتداء حدود الله :
( تلك حدود الله فلا تعتدوها . ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) . .
ونقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد ، حسب اختلاف الملابستين :
في مناسبة سبقت في هذه السورة عند الحديث عن الصوم . ورد تعقيب : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) . . وهنا في هذه المناسبة ورد تعقيب : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) . .
في الأولى تحذير من القرب . وفي الثانية تحذير من الاعتداء . . فلماذا كان الاختلاف ؟
في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة :
( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم . . هن لباس لكم وأنتم لباس لهن . . علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ، فتاب عليكم وعفا عنكم ، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم . وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . ثم أتموا الصيام إلى الليل ، ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد . . تلك حدود الله فلا تقربوها ) . .
والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية . فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود الله فيها ، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ووقع في نطاق حبائلها !
أما هنا فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات . فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف ؛ وتجاوزها وعدم الوقوف عندها . فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة . بسبب اختلاف المناسبة . . وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة !
{ الطّلاَقُ مَرّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمّآ آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئاً إِلاّ أَن يَخَافَآ أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ }
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته ، والعدد الذي تبين به زوجته منه .
ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه ، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدا حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة إلا بعد زوج ، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه .
ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدّتها كانت امرأته ، فغضب رجل من الأنصار على امرأته ، فقال لها : لا أقربك ولا تحلين مني قالت له : كيف ؟ قال : أطلقك ، حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك . قال : فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى ذكره : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ . . . الآية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه ، قال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا آويك ، ولا أدعك تحلين فقالت له : كيف تصنع ؟ قال : أطلقك ، فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ، فمتى تحلين ؟ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانِ فاستقبله الناس جديدا من كان طلق ومن لم يكن طلق .
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك ، ثم يراجع ما كانت في العدة ، فجعل الله حدّ الطلاق ثلاث تطليقات .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها لا حدّ في ذلك ، هي امرأته ما راجعها في عدتها ، فجعل الله حدّ ذلك يصير إلى ثلاثة قروء ، وجعل حدّ الطلاق ثلاث تطليقات .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ قال كان الطلاق قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاث ليس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة ، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحلّ كان ذلك له ، وطلق رجل امرأته حتى إذا كادت أن تحلّ ارتجعها ، ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك ليضارّها بتركها ، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها ، وصنع ذلك مرارا . فلما علم الله ذلك منه ، جعل الطلاق ثلاثا ، مرتين ، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان .
3حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ أما قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة .
3حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين ، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة ، فإن شاء طلقها أخرى ، فلم تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره .
فتأويل الآية على هذا الخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة إذا كنّ مدخولاً بهنّ : تطليقتان ، ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان ، لأنه لا رجعة له بعد التطليقتين إن سرحها فطلقها الثالثة .
وقال آخرون إنما أنزلت هذه الآية على نبي الله صلى الله عليه وسلم تعريفا من الله تعالى ذكره عباده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن ، لا دلالة على القدر الذي تبين به المرأة من زوجها . ذكر من قال ذلك :
3حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع ، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى ، ثم يطلقها إن شاء ، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها ، ثم إن شاء طلقها ، وإلا تركها حتى تتمّ ثلاث حيض وتبين منه به .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين ، فليتق الله في التطليقة الثالثة ، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها ، أو يسرّحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، ، عن مجاهد في قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع ، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تمّ القرء ، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى ، إن أحبّ أن يفعل ، فإن طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان ، ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة : فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال : فحاضت الحيضة الثانية ، كما طلق الأولى ، فهذان تطليقتان وقرءان ، ثم قال : الثالثة ، وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو ، عن أبي عاصم .
وتأويل الآية على قول هؤلاء : سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاق نسائِكم ، أن تطلقوهنّ ثنتين في كل طهر واحدة ، ثم الواجب بعد ذلك عليكم : إما أن تمسكوهنّ بمعروف ، أو تسرّحوهنّ بإحسان .
والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم ، وبُطولُ الرجعة فيه ، والذي يكون فيه الرجعة منه . وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها : فإنْ طَلّقَها فَلا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ فعرّف عباده القدر الذي به تحرم المرأة على زوجها إلا بعد زوج ، ولم يبين فيها الوقت الذي يجوز الطلاق فيه والوقت الذي لا يجوز ذلك فيه ، فيكون موجها تأويل الآية إلى ما رُوي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه .
وأما قوله : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ فإن في تأويله وفيما عني به اختلافا بين أهل التأويل ، فقال بعضهم : عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين بعد مراجعتهم إياهنّ من التطليقة الثانية من عشرتهن بالمعروف ، أو فراقهن بطلاق . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : الطلاق مرتان ؟ قال : يقول عند الثالثة : إما أن يمسك بمعروف ، وإما أن يسرّح بإحسان . وغيره قالها قال : وقال مجاهد : الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره ، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل ، وتعتدّ لغيره .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، قال : أتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله أرأيت قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تسْرِيحٌ بإحْسانٍ فأين الثالثة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ هي الثالثة » .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، قالا : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، الطلاق مرتان ، فأين الثالثة ؟ قال : «إمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، يقول الله : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمُعْرُوفٍ فأين الثالثة ؟ قال : «التّسْريحُ بإحْسانٍ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال في الثالثة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله : الطّلاقُ مَرّتانِ قال : الثالثة : إمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ .
وقال آخرون منهم : بل عنى الله بذلك الدلالة على ما يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان ، بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن ، فيصرن أملك لأنفسهن . وأنكروا قول الأولين الذين قالوا : إنه دليل على التطليقة الثالثة . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ إذا طلق واحدة أو اثنتين ، إما أن يمسك ويمسك : يراجع بمعروف وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها .
حدثنا عليّ بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : أوْ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ والتسريح : أن يدعها حتى تمضي عدتها .
3حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : الطّلاقُ مَرّتانِ فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : يعني تطليقتين بينهما مراجعة ، فأمر أن يمسك أو يسرّح بإحسان . قال : فإن هو طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلى أن معنى الكلام : الطلاق مرّتان ، فإمساك في كل واحدة منهما لهنّ بمعروف ، أو تسريح لهنّ بإحسان . وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي رواه إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين فإن اتباع الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بنا من غيره . فإذ كان ذلك هو الواجب ، فبين أن تأويل الآية : الطلاق الذي لأزواج النساء على نسائهم فيه الرجعة مرتان ، ثم الأمر بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية ، إما إمساك بمعروف ، وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة حتى تبين منهم ، فتبطل ما كان لهن عليهن من الرجعة ويصرن أملك لأنفسهن منهن .
فإن قال قائل : وما ذلك الإمساك الذي هو بمعروف ؟ قيل : هو ما :
حدثنا به عليّ بن عبد الأعلى المحاربي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ قال : المعروف : أن يحسن صحبتها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ قال : ليتق الله في التطليقة الثالثة ، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها .
فإن قال : فما التسريح بإحسان ؟ قيل : هو ما :
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قيل : يسرحها ، ولا يظلمها من حقها شيئا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : هو الميثاق الغليظ .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : الإحسان : أن يوفيها حقها ، فلا يؤذيها ، ولا يشتمها .
حدثنا عليّ بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ قال : التسريح بإحسان : أن يدعها حتى تمضي عدتها ، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها . فذلك التسريح بإحسان ، والمتعة على قدر الميسرة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله : وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غلِيظا قال قوله : فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوَ تَسْرِيحٌ بإحْسانٍ .
فإن قال : فما الرافع للإمساك والتسريح ؟ قيل : محذوف اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره ، ومعناه : الطلاق مرتان ، فالأمر الواجب حينئذ به إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان . وقد بيّنا ذلك مفسرا في قوله : فاتّباعٌ بالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيْهِ بإحْسانٍ فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ الله .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا ولا يحلّ لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهن بطلاقكم وفراقكم إياهن شيئا مما أعطيتموهنّ من الصداق ، وسقتم إليهنّ ، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان ، وذلك إيفاؤهنّ حقوقهنّ من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُود اللّهِ وذلك قراءة عُظْم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب : «إلاّ أنْ يَظُنّا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّه » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرني ثور ، عن ميمون بن مهران ، قال : في حرف أبيّ بن كعب إن الفداء تطليقة . قال : فذكرت ذلك لأيوب ، فأتينا رجلاً عنده مصحف قديم لأبيّ خرج من ثقة ، فقرأناه فإذا فيه : «إلاّ أنْ يَظُنّا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ ، فإنْ ظَنّا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ » : لا تحلّ له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .
والعرب قد تضع الظن موضع الخوف والخوف موضع الظن في كلامها لتقارب معنييهما ، كما قال الشاعر :
أتانِي كَلامٌ عنْ نُصَيْبٍ يَقُولُهُ *** وَما خِفْتُ يا سَلاّمُ أنّكَ عائِبي
وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة : «إلاّ أنْ يُخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ » فأما قاريء ذلك كذلك من أهل الكوفة ، فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود ، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود : «إلاّ أنْ تخافُوا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ » وقراءة ذلك كذلك اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه ، فإنما أعمل الخوف في «أن » وحدها ، وذلك غير مدفوعة صحته ، كما قال الشاعر :
إذَا مِتّ فادْفِنّي إلى جَنْب كَرْمَةٍ *** تُرَوّي عِظامي بَعْدَ مَوتي عُرُوقُها
وَلا تَدْفِنَيّ بالفَلاةِ فإنّنِي *** أخافُ إذَا ما متّ أنْ لا أذُوقُها
فأما قارئه إلا أن يخافا بذلك المعنى ، فقد أعمل في متروكةٍ تسميته وفي «أن » ، فأعمله في ثلاثة أشياء : المتروك الذي هو اسم ما لم يسمّ فاعله ، وفي أن التي تنوب عن شيئين ، ولا تقول العرب في كلامها ظُنّا أن يقوما ، لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا ، ولكن على أن يكون مرادا به إذا قريء كذلك : إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله ، أو على أن لا يقيما حدود الله ، فيكون العامل في أن غير الخوف ، ويكون الخوف عاملاً فيما لم يسمّ فاعله . وذلك هو الصواب عندنا في القراءة لدلالة ما بعده على صحته ، وهو قوله : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فكان بينا أن الأول بمعنى : إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله .
فإن قال قائل : وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها ؟ قيل : حال نشوزها وإظهارها له بغضته ، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحقّ ، ويخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها عليه ، فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه ، والحال التي أباح النبيّ صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان أتى زوجته إذ نشزت عليه بغضا منها له . كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قرأت على فضيل ، عن أبي جرير أنه سأل عكرمة ، هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام أخت عبد الله بن أبيّ ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عِدّة ، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . قال زوجها : يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي حديقة فلتردد عليّ حديقتي قال : «ما تقولين ؟ » قالت : نعم ، وإن شاء زدته قال : ففرّق بينهما .
حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا أبو عمرو السدوسي ، عن عبد الله ، يعني ابن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة : أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، فضربها فكسر بعضها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح ، فاشتكته ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا ، فقال : «خُذْ بَعْضَ مَالها وفَارِقَهَا » قال : ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال : «نعم » ، قال : فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «خُذْهُما وَفارقْها » ففعل .
حدثنا أبو يسار ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا مالك ، عن يحيى ، عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها عند بابه بالغلس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«مَنْ هَذِه ؟ » قالت : أنا حبيبة بنت سهل ، لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها . فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَذْكُرُ ما شاءَ اللّهُ أنْ تَذْكُرَ » . فقالت حبيبة : يا رسول الله كلّ ما أعطانيه عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خُذْ مِنْها » فأخذ منها وجلست في بيتها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسن بن واقد ، عن ثابت ، عن عبد الله بن رباح ، عن جميلة بنت أبيّ ابن سلول ، أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه ، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «يا جَمِيلَةُ ما كَرِهْتِ مِنْ ثابِتٍ ؟ » قالت : والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا ، إلا إني كرهت دمامته . فقال لها : «أتَرُدّينَ الحَدِيقَةَ ؟ » قالت : نعم فردّت الحديقة وفرّق بينهما .
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما ، أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة ، قال : وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَرُدّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ » فقالت : نعم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : ويطيب لي ذلك ؟ قال : «نعم » ، قال ثابت : وقد فعلت فنزلت : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها .
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله ، فقال بعضهم : ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها ، فإذا ظهر ذلك منها له ، حلّ له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قيلها ، فتدعوك إلى أن تفتدي منك ، فلا جناح عليك فيما افتدت به .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : قال ابن جريج : أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول : لا يحلّ الفداء حتى يكون الفساد من قبلها ، ولم يكن يقول : لا يحلّ له حتى تقول : لا أبرّ لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، قال : قال جابر بن زيد : إذا كان النشز من قبلها حلّ الفداء .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول : إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحلّ خلعها .
حدثني علي بن سهل ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن حماد ، عن هشام ، عن أبيه أنه قال : لا يصلح الخلع ، حتى يكون الفساد من قبل المرأة .
حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، عن عامر في امرأة قالت لزوجها : لا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة . قال : ما هذا ؟ وحرّك يده ، لا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا أيوب ، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة : يعظها ، فإن انتهت وإلا هجرها ، فإن انتهت وإلا ضربها ، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، فيقول الحكم الذي من أهلها : تفعل بها كذا وتفعل بها كذا ، ويقول الحكم الذي من أهله : تفعل به كذا وتفعل به كذا ، فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده ، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : الطّلاقُ مَرّتان فإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ إلى قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ قال : إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة ، فلا يحل له أن يضربها ، حتى تفتدي منه ، فإن أخذ منها شيئا على ذلك ، فما أخذ منها فهو حرام ، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قِبَلها ، فقد حلّ له أن يأخذ منها ما افتدت به .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري في قوله : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ قال : لا يحلّ للرجل أن يخلع امرأته إلا أن يرى ذلك منها ، فأما أن يكون يضارّها حتى تختلع ، فإن ذلك لا يصلح ، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء ، وأساءت عشرته ، فقد حلّ له خلعها .
حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا قال : الصداق إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة ، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله ، فإن قبلت وإلا هجرها ، والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد ويوليها ظهره ولا يكلمها ، فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته ، فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح ، فإن أبت إلا جماحا فقد حلّ له منها الفدية .
وقال آخرون : بل الخوف من ذلك أن لا تبرّ له قسما ولا تطيع له أمرا ، وتقول : لا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا ، فحينئذ يحلّ له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قال الحسن : إذا قالت : لا أغتسل لك من جنابة ، ولا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، فحينئذ حلّ الخلع .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : إذا قالت المرأة لزوجها : لا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أقيم حدّا من حدود الله ، فقد حلّ له مالها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ، عن محمد بن سالم ، قال : سألت الشعبي ، قلت : متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته ؟ قال : إذا أظهرت بغضه وقالت : لا أبرّ لك قسما ولا أطيع لك أمرا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول : لا تحل الفدية حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة . وقال : إن الزاني يزني ثم يغتسل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم في الناشز ، قال : إن المرأة ربما عصت زوجها ، ثم أطاعته ، ولكن إذا عصته فلم تبرّ قسمه ، فعند ذلك تحلّ الفدية .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا لا يحلّ له أن يأخذ من مهرها شيئا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فإذا لم يقيما حدود الله ، فقد حل له الفداء ، وذلك أن تقول : والله لا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أكرم لك نفسا ، ولا أغتسل لك من جنابة . فهو حدود الله ، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حلّ الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن عليّ بن بذيمة ، عن مقسم في قوله : وَلا تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنّ يقول : «إلا أن يفحشن » في قراءة ابن مسعود ، قال إذا عصتك وآذتك ، فقد حلّ لك ما أخذت منها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا قال : الخلع ، قال : ولا يحلّ له إلا أن تقول المرأة لا أبرّ قسمه ولا أطيع أمره ، فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها ، ويتعدّى الحق .
وقال آخرون : بل الخوف من ذلك أن تبتدىء له بلسانها قولاً أنها له كارهة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها : إني لأكرهك ، وما أحبك ، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك . وتطيب نفسك بالخلع .
وقال آخرون : بل الذي يبيح له أخذ الفدية أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الاَخر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عامر ، حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، قال : قال عامر : أحلّ له مالها بنشوزه ونشوزها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : قال ابن جريج ، قال : طاوس : يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره ، ولم يكن يقول قول السفهاء : لا أبرّ لك قسما ، ولكن يحلّ له الفداء ما قال الله تعالى ذكره : إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ قال : فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، قال : لا يحلّ الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما .
وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : لا يحلّ للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها ، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعا ، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن ومن قال في ذلك قولهما لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه ، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها له ؟ قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت ، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به ، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله . فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين ، فليس هناك للخوف موضع ، إذ كان المخوف قد وجد ، وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه ، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه .
القول في تأويل قوله تعالى : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما بصنيعها ، فقال بعضهم : هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه ، وأذاها له بالكلام . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ قال : هو تركها إقامة حدود الله ، واستخفافها بحق زوجها ، وسوء خلقها ، فتقول له : والله لا أبرّ لك قسما ، ولا أطأ لك مضجعا ، ولا أطيع لك أمرا فإن فعلت ذلك فقد حلّ له منها الفدية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن في قوله : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ قال : إذا قالت : لا أغتسل لك من جنابة حلّ له أن يأخذ منها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا يونس ، عن الزهري قال : يحلّ الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله ، وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما .
وقال آخرون : معنى ذلك : فإن خفتم أن لا يطيعا الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن عامر : فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ قال : أن لا يطيعا الله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الحدود : الطاعة .
والصواب من القول في ذلك : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ما أوجب الله عليهما من الفرائض فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه من العشرة بالمعروف ، والصحبة بالجميل ، فلا جناح عليهما فيما افتدت به .
وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي ، وما رويناه عن الحسن والزهري ، لأن من الواجب للزوج على المرأة إطاعته فيما أوجب الله طاعته فيه ، وأن لا تؤذيه بقول ، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته ، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها .
وأما معنى إقامة حدود الله ، فإنه العمل بها ، والمحافظة عليها ، وترك تضييعها ، وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته .
القول في تأويل قوله تعالى : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ .
يعني قوله تعالى ذكره بذلك : فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق ، وألزمه له من فرض ، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدّي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها ، ولا حرج عليهما فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها ولا على هذا فيما أخذ منها من الجُعُل والعوض عليه .
فإن قال قائل : وهل كانت المرأة حَرِجة لو كان الضّرارُ من الرجل بها فيما افتدت به نفسها ، فيكون لا جناح عليهما فيما أعطته من الفدية على فراقها إذا كان النشوز من قبلها ؟ قيل : لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها ، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس ، ولا دين ، ولا حق عليها في ذهاب حقّ لها لما حلّ لها إعطاؤه ذلك ، إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحلّ له أخذه منها لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس ، ولا دين ، ولا في حقّ لها تخاف ذهابه ، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحلّ له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه ، فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها ، وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس ، ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم ، وهي إذا أعطته على هذا الوجه باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى أولى إن شاء الله من الجناح والحرج ، ولذلك قال تعالى ذكره : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها ، وعنه فيما قبض منها إذا كانت معطية على المعنى الذي وصفنا ، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار ، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم .
وقد يتجه قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس بن شماس ، وذلك لكراهتها أخلاق زوجها أو دمامة خَلْقه ، وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض ، ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحلّ لها كان حراما عليها أن تعطى على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها لله ، وتلك هي المختلعة إن خولعت على ذلك الوجه التي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماها منافقة . كما :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني المعتمر بن سليمان ، عن ليث ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أيّمَا امرأةٍ سألَتْ زوْجَها الطّلاقَ مِنْ غيرِ بأْسٍ حِرّمَ اللّهُ عَلَيْها رَائحَةَ الجَنّةِ » . وقال : «المُخْتَلِعاتُ هُنّ المُنافِقاتُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مزاحم بن دواد بن علية ، عن أبيه ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي الخطاب عن أبي زرعة ، عن أبي إدريس ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «المُخْتَلِعاتُ هُنّ المُنافِقاتُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حفص بن بشر ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن أشعث بن سوار ، عن الحسن ، عن ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ المُخْتَلِعاتِ المُنْتَزَعاتِ هُنّ المُنافِقاتُ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قالا جميعا : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عمن حدثه ، عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أيّمَا امْرأةٍ سألَتْ زَوْجَها طَلاقا مِنْ غَيْرِ بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْها رَائحَةُ الجَنّة » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه .
فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة ، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح ، وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة ، ومنه ما يكون عليهما ، ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح . قيل في الوجه : الذي لا حرج عليهما فيه لا جناح إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها لا جناح عليهما فيما افتدت به من الوجه الذي أبيح لهما ، وذلك أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه .
وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين : أحدهما أن يكون مرادا به : فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة ، وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال في سورة الرحمن : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجان وهما من الملح لا من العذب ، قال : ومثله : فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوَتهُما وإنما الناسي صاحب موسى وحده قال : ومثله في الكلام أن تقول : عندي دابتان أركبهما وأسقي عليهما وإنما تركب إحداهما وتسقي على الأخرى ، وهذا من سعة العربية التي يحتجّ بسعتها في الكلام .
قال : والوجه الاَخر أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح ، إذ كانت تُعطي ما قد نُفي عن الزوج فيه الإثم . اشتركت فيه ، لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت إلى مثل ذلك .
قال أبو جعفر : فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين ، ولا في احتجاجه فيما احتجّ به قوله : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ . فأما قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فقد بينا وجه صوابه ، وسنبين وجه قوله : يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى .
وإنما خطّأنا قوله ذلك لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن ، وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان ، فأضاف إلى اثنين ، فلو جاز لقائل أن يقول : إنما أريد به الخبر عن أحدهما فيما لم يكن مستحيلاً أن يكون عنهما جاز في كل خبر كان عن اثنين غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما أن يقال : إنما هو خبر عن أحدهما ، وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم ، وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ أمعنيّ به : أنهما موضوع عنهما الجناح في كل ما افتدت به المرأة نفسها من شيء أم في بعضه ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك فلا جناح عليهما فيما افتدت به من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه واحتجوا في قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود على أولها ، وأن معنى الكلام : وَلا يَحِلّ لَكُمْ أنْ تَأخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا إلاّ أنْ يَخافا ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ مما آتيتموهن .
قالوا : فالذي أحله الله لهما من ذلك عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك . واحتجوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه أن تردّ ما كان ثابت أصدقها ، وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع أنه كان يقول : لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها ، ويقول : إن الله يقول : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ منه ، يقول : من المهر . وكذلك كان يقرؤها : «فيما افتدت به منه » .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، قال : سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والزهري يقولون في الناشز : لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد ، حدثنا أبو عمرو ، عن عطاء ، قال : الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : كان يكره أن يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها ، وكان يرى أن يأخذ دون ذلك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن الشعبي ، قال : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، يعني المختلعة .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا عن الحكم بن عتيبة ، قال : كان عليّ رضي الله عنه يقول : لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن الحكم أنه قال في المختلعة : أحبّ إليّ أن لا يزداد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن مطر أنه سأل الحسن ، أو أن الحسن سئل عن رجل تزوّج امرأة على مائتي درهم ، فأراد أن يخلعها ، هل له أن يأخذ أربعمائة ؟ فقال : لا والله ، ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : كان الحسن يقول : لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها . قال معمر : وبلغني عن عليّ أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن ابن المسيب ، قال : ما أحبّ أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها منه ما يعيشها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس أن أباه كان يقول في المفتدية : لا يحلّ له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : لا يحلّ للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره . واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية ، وأنه غير جائز إحالة ظاهر عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها قالوا : ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية دون بعض من أصل أو قياس ، فهي على ظاهرها وعمومها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب عن كثير مولى سمرة : أن عمر أتي بامرأة ناشز ، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا ، ثم دعا بها فقال : كيف وجدت ؟ قالت : ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني . فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن كثير مولى سمرة ، قال : أخذ عمر بن الخطاب امرأة ناشزة فوعظها ، فلم تقبل بخير ، فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام وذكر نحو حديث ابن علية .
حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى ، قالا : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن حميد بن عبد الرحمن : أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فشكت زوجها ، فقال : إنها ناشز . فأباتها في بيت الزبل ، فلما أصبح قال لها : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما كنت عنده ليلة أقرّ لعيني من هذه الليلة . فقال : خذ ولو عقاصها .
حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع : أن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه إلا من ثيابها ، فلم يعب ذلك ابن عمر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا معتمر ، قال : سمعت عبيد الله يحدث ، عن نافع ، قال : ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها ، فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب : أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . ثم تلا هذه الآية : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال في الخلع : خذ ما دون عقاص شعرها ، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الخلع بما دون عقاص الرأس .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم أنه قال في المختلعة : خذ منها ولو عقاصها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الخلع بما دون عقاص الرأس ، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الرّبَيّع ابنة معوّذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يقل عليّ الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب . قالت : فكانت مني زلة يوما ، فقلت : أختلع منك بكل شيء أملكه قال : نعم قال : ففعلت قالت : فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه . أو قالت : ما دون عقاص الرأس .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا الحسن بن يحيى ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير ، ولو عُقُصها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا حجاج ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس : ليأخذ منها حتى قرطها . يعني في الخلع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله ، قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن نافع ، عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد : أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا حميد ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة بن ذؤيب أنه تلا هذه الآية : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ قال : يأخذ أكثر مما أعطاها .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبي عديّ ، عن حميد ، قال : قلت لرجاء بن حيوة : إن الحسن يقول في المختلعة : لا يأخذ أكثر مما أعطاها ، ويتأوّل : وَلا تَأخُذُوا مِما آتَيْتُمُوهُنّ شَيْئا قال رجاء : فإن قبيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها ، ويتأوّل : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ .
وقال آخرون : هذه الآية منسوخة بقوله : وَإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْدَاهُنّ قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيئَا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال : سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا ؟ قال لا وقرأ : وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقا غَلِيظا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء ، قال : سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الخلع ، قال : لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئا . قلت : يقول الله تعالى ذكره في كتابه : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ قال : هذه نسخت . قلت : فإني حفظت ؟ قال : حفظت في سورة النساء قول الله تعالى ذكره : وَإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوجٍ وآتَيْتُمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخُذُونَهُ بُهْتانا وإثْما مُبِينا .
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله على سبيل ما قدمنا البيان عنه ، فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها من قليل ما تملكه وكثيره مما يجوز للمسلمين أن يملكوه ، وإن أتى ذلك على جميع ملكها لأن الله تعالى ذكره لم يخص ما أباح لهما من ذلك على حدّ لا يجاوَز ، بل أطلق ذلك في كل ما افتدت به غير أني أختار للرجل استحبابا لا تحتيما إذا تبين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصيةٍ لله ، بل خوفا منها على دينها أن يفارقها بغير فدية ولا جُعْل فإن شحت نفسه بذلك ، فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها . فأما ما قاله بكر بن عبد الله من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله : وَإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوجٍ وآتَيْتُمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا فقول لا معنى له ، فنتشاغل بالإنابة عن خطئه لمعنيين . أحدهما : إجماع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين ، على تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها ، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره . والاَخر : أن الآية التي في سورة النساء إنما حرّم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها ، بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما بمقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله ، ولا نشوز من المرأة على الرجل . وإذا كان الأمر كذلك ، فقد ثبت أن أخذ الزوج من امرأته مالاً على وجه الإكراه لها والإضرار بها حتى تعطيه شيئا من مالها على فراقها حرام ، ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا . وأما الآية التي في سورة البقرة ، فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله بنشوز المرأة ، وطلبها فراق الرجل ، ورغبته فيها . فالأمر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في سورة البقرة ضد الأمر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في سورة النساء ، كما الحظر في سورة النساء غير الطلاق والإباحة في سورة البقرة . فإنما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخ إذا اتفقت معاني المحكوم فيه ، ثم خولف بين الأحكام فيه باختلاف الأوقات والأزمنة . وأما اختلاف الأحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد ، فذلك هو الحكمة البالغة ، والمفهوم في العقل والفطرة ، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل .
وأما الذي قاله الربيع بن أنس من أن معنى الآية : فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه ، يعني بذلك : مما آتيتموهن ، فنظير قول بكر في دعواه نسخ قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ بقوله : وآتَيْتُمْ إحْدَاهُن قِنْطارا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئا لادّعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه . ويقال لمن قال بقوله : قد قال من قد علمت من أئمة الدين : إنما معنى ذلك : فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها ، فهل من حجة تبين تهافتهم غير الدعوى ، فقد احتجوا بظاهر التنزيل ، وادّعيت فيه خصوصا . ثم يعكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في شيء من ذلك قولاً إلا ألزم في الاَخر مثله . وقد بينا الأدلة بالشواهد على صحة قول من قال للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية التي أباح الله لها الافتداء في كتابنا كتاب «اللطيف » فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأوُلَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ .
يعني تعالى ذكره بذلك : تلك معالم فصوله ، بين ما أحلّ لكم ، وما حرّم عليكم أيها الناس ، فلا تعتدوا ما أحلّ لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال ، إلى ما حرّم عليكم ، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته .
وإنما عنى تعالى ذكره بقوله : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الاَيات التي مضت من نكاح المشركات الوثنيات ، وإنكاح المشركين المسلمات ، وإتيان النساء في المحيض ، وما قد بين في الاَيات الماضية قبل قوله : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ مما أحلّ لعباده وحرّم عليهم ، وما أمر ونهى . ثم قال لهم تعالى ذكره : هذه الأشياء التي بينت لكم حلالها من حرامها حدودي ، يعني به : معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي فلا تعتدوها يقول : فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرّمته عليكم ، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه ، ولا طاعتي إلى معصيتي ، فإن من تعدّى ذلك يعني من تخطاه وتجاوزه إلى ما حرّمت عليه أو نهيته ، فإنه هو الظالم ، وهو الذي فعل ما ليس له فعله ، ووضع الشيء في غير موضعه .
وقد دللنا فيما مضى على معنى الظلم وأصله بشواهده الدالة على معناه ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا ، غير أن معنى ما قالوا في ذلك ( يرجع ) إلى معنى ما قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها يعني بالحدود : الطاعة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها يقول : من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه ، ومن يتعد حدود الله ، فأولئك هم الظالمون .
قال أبو جعفر : وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له في هذا الموضع ، لأنه لم يجر للطلاق في العدّة ذكر ، فيقال : تلك حدود الله ، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون للمطلق فيه الرجعة ، والذي لا يكون له فيه الرجعة دون ذكر البيان عن الطلاق للعدة .
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 229 )
قال عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم : نزلت هذه الآية بياناً لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يطلقون ويرتجعون إلى غير غاية ، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا أؤويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ، فشكت ذلك ، فنزلت الآية( {[2172]} ) ، وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم : المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فإما تركها غير مظلومة شيئاً من حقها وإما أمسكها محسناً عشرتها .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والآية تتضمن هذين المعنيين( {[2173]} ) ، والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتزام حقوق الزوجية . والتسريح يحتمل لفظه معنيين : أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها ، وهذا قول السدي والضحاك ، والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك ، وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما ، ويقوى عندي هذا القول من ثلاثة وجوه : أولها أنه روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هذا ذكر الطلقتين فأين الثالثة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي قوله : { أو تسريح بإحسان }( {[2174]} ) ، والوجه الثاني أن التسريح من ألفاظ الطلاق ، ألا ترى أنه قد قرىء { وإن عزموا السراح } [ البقرة : 227 ] ، والوجه الثالث أن فعّل تفعيلاً بهذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلاً مكرراً على الطلقة الثانية ، وليس في ترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل ، و { إمساك } مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن ، ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء تقديره فالواجب إمساك ، وقوله { بإحسان } معناه أن لا يظلمها شيئاً من حقها ولا يتعدى في قول . وقوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا } الآية خطاب للأزواج ، نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيئاً على وجه المضارة ، وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر( {[2175]} ) ، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم ؛ لأن العرف من الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج عن يده ، هذا وكدهم( {[2176]} ) في الأغلب ؛ فلذلك خص بالذكر . وقرأ جميع السبعة إلا حمزة «يخافا » بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل ، فهذا باب خاف في التعدي إلى مفعول واحد وهو { أن }( {[2177]} ) وقرأ حمزة وحده «يُخافا » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، فهذا على تعدية خاف إلى مفعولين ، أحدهما أسند الفعل إليه ، والآخر { أن } بتقدير حرف جر محذوف( {[2178]} ) ، فموضع { أن } : خفض بالجار المقدر عند سيبويه والكسائي( {[2179]} ) ، ونصب عند غيرهما لأنه لما حذف الجار وصار الفعل إلى المفعول الثاني ، مثل استغفر الله ذنباً ، وأمرتك الخير( {[2180]} ) ، وفي مصحف ابن مسعود «إلا أن يخافوا » بالياء وواو الجمع ، والضمير على هذا للحكام ومتوسطي( {[2181]} ) أمور الناس .
وحرم الله - تعالى - على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف أن لا يقيما ، وأكد التحريم بالوعيد لمن تعدى الحد ، وأجمع عوام أهل العلم على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها . قال ابن المنذر : «روينا معنى ذلك عن ابن عباس والشعبي ومجاهد وعطاء والنخعي وابن سيرين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير والزهري وحميد بن عبد الرحمن وقتادة وسفيان الثوري ومالك وإسحاق وأبي ثور ، وقال مالك - رحمه الله - والشعبي وجماعة معهما : فإن كان مع فساد الزوجة ونشوزها فساد من الزوج وتفاقم ما بينهما فالفدية جائزة للزوج .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى ذلك أن يكون الزوج لو ترك فساده لم يزل نشوزها هي ، وأما إن انفرد الزوج بالفساد فلا أعلم أحداً يجيز له الفدية ، إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال : «إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل ما صنع ، ولا يرد ما اخذ ، قال ابن المنذر : «وهذا خلاف ظاهر كتاب الله ، وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو قيل لأحد : اجهد نفسك في طلب الخطأ ، ما وجد أمراً أعظم من أن ينطق القرآن بتحريم شيء فيحله هو ويجيزه » ، و { حدود الله } في الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة( {[2182]} ) .
ونازلة حبيبة بنت سهل - وقيل جميلة بنت أبي ابن سلول والأول أصح ( {[2183]} )- مع ثابت بن قيس حين أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الفدية منها إنما كان التعسف فيها من المرأة لأنها ذكرت عنه كل خير وأنها لا تحب البقاء معه ، وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } المخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وإن لم يكن حكاماً ، وترك إقامة حدود الله هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه ، قاله ابن عباس ومالك بن أنس وجمهور الفقهاء ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقوم معه : إذا قالت له : لا أطيع لك أمراً ولا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسماً ، حل الخلع ، وقال الشعبي : { ألا يقيما حدود الله } : معناه أن لا يطيعا الله ، وذلك أن المغاضبة تدعو إلى ترك الطاعة ، وقال عطاء بن أبي رباح : يحل الخلع والأخذ أن تقول المرأة لزوجها إني لأكرهك ولا أحبُّك ونحو هذا .
وقوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إباحة للفدية ، وشركهما في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها أن تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة ، فإذا كان الخوف المذكور جاز له أن يأخذ ولها أن تعطي ، ومتى لم يقع الخوف فلا يجوز لها أن تعطي على طالب الفراق( {[2184]} ) ، وقال ابن عمر والنخعي وابن عباس ومجاهد وعثمان بن عفان رضي الله عنه ومالك والشافعي وأبو حنيفة وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وأبو ثور وغيرهم : مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه ، وقضى بذلك عمر بن الخطاب ، وقال طاوس والزهري وعطاء وعمرو بن شعيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وأحمد وإسحاق : لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها .
وبه قال الربيع ، وكان يقرأ هو والحسن بن أبي الحسن «فيما افتدت به منه » بزيادة «منه » ، يعني مما آتيتموهن وهو المهر . وحكى مكي هذا القول عن أبي حنيفة ، وابن المنذر أثبت( {[2185]} ) . وقال ابن المسيب : «لا أرى أن يأخذ منها كل مالها ولكن ليدع لها شيئاً » . وقال بكر بن عبد الله المزني : «لا يجوز للرجل أن يأخذ من زوجه شيئاً خلعاً قليلاً ولا كثيراً » ؛ قال : «وهذه الآية منسوخة بقوله عز وجل : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً }( {[2186]} ) [ النساء : 20 ] .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، لأن الأمة مجمعة على إجازة الفدية ، ولأن المعنى المقترن بآية الفدية غير المعنى الذي في آية إرادة الاستبدال( {[2187]} ) .
وقوله تعالى : { تلك حدود الله } الآية ، أي هذه الأوامر والنواهي هي المعالم بين الحق والباطل والطاعة والمعصية فلا تتجاوزوها ، ثم توعد - تعالى - على تجاوز الحد ووصف المتعدي بالظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه ، والظلم معاقب صاحبه ، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم : » الظلم ظلمات يوم القيامة «( {[2188]} ) .
استئناف لذكر غاية الطلاق الذي يملكه الزوج من امرأته ، نشأ عن قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً } [ البقرة : 228 ] وعن بعض ما يشير إليه قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } [ البقرة : 228 ] فإن الله تعالى أعلن أن للنساء حقاً كحق الرجال ، وجعل للرجال درجة زائدة : منها أن لهم حق الطلاق ، ولهم حق الرجعة لقوله : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة : 228 ] ولما كان أمر العرب في الجاهلية جارياً على عدم تحديد نهاية الطلاق ، كما سيأتي قريباً ، ناسب أن يذكر عقب ذلك كله حكم تحديد الطلاق ، إفادة للتشريع في هذا الباب ودفعاً لما قد يعلق أو علق بالأوهام في شأنه .
روى مالك في جامع الطلاق من « الموطأ » : « عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألفَ مرة فعمَد رجلٌ إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك ولا تحلين أبداً فأنزل الله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذٍ من كان طلق منهم أو لم يطلق » .
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قريباً منه . ورواه الحاكم في « مستدركه » إلى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال : والله لا تركتك لا أَيماً ولا ذات زوج فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مراراً فأنزل الله تعالى : { الطلاق مرتان } ، وفي ذلك روايات كثيرة تقارب هذه ، وفي « سنن أبي داود » : باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث وأخرج حديث ابن عباس أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ونزل { الطلاق مرتان } ، فالآية على هذا إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية ، وتحديد لحقوق البعولة في المراجعة .
والتعريف في قوله ( الطلاق ) تعريف الجنس على ما هو المتبادر في تعريف المصادر وفي مساق التشريع ، فإن التشريع يقصد بيان الحقائق الشرعية ، نحو قوله : { وأحل الله البيع } [ البقرة : 275 ] وقوله : { وإن عزموا الطلاق } [ البقرة : 227 ] وهذا التعريف هو الذي أشار صاحب « الكشاف » إلى اختياره ، فالمقصود هنا الطلاق الرجعي الذي سبق الكلام عليه آنفاً في قوله : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة : 228 ] فإنه الطلاق الأصلي ، وليس في أصل الشريعة طلاق بائن غير قابل للمراجعة لذاته ، إلاّ الطلقة الواقعة ثالثة ، بعد سبق طلقتين قبلها فإنها مبينة بعدُ وأما ما عداها من الطلاق البائن الثابت بالسنة ، فبينونته لحق عارض كحق الزوجة فيما تعطيه من مالها في الخلع ، ومثل الحق الشرعي في تطليق اللعان ، لمظنة انتفاء حسن المعاشرة بعد أن تَلاعنا ، ومثل حق المرأة في حكم الحاكم لها بالطلاق للإضرار بها ، وحُذف وصف الطلاق ، لأن السياق دال عليه ، فصار التقدير : الطلاق الرجعي مرتان .
وقد أخبر عن الطلاق بأنه مرتان ، فعلم أن التقدير : حق الزوج في إيقاع التطليق الرجعي مرتان ، فأما الطلقة الثالثة فليست برجعيّة . وقد دل على هذا قوله تعالى بعد ذِكر المرتين : { فإمساك بمعروف } وقوله بعدهُ : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } [ البقرة : 230 ] الآية وقد روي مثل هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم روي أبو بكر بن أبي شيبة : " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت قول الله تعالى : { الطلاق مرتان } فأين الثالثة فقال رسول الله عليه السلام : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وسؤال الرجل عن الثالثة ، يقتضي أن نهاية الثلاث كانت حكماً معروفاً إِما من السنة وإِما من بقية الآية ، وإنما سأل عن وجه قوله ( مرتان ) ولما كان المراد بيان حكم جنس الطلاق ، باعتبار حصوله من فاعله ، وهو إنما يحصل من الأزواج كان لفظ الطلاق آيلاً إلى معنى التطليق ، كما يؤول السلام إلى معنى التسليم .
وقوله { مرتان } ، تثنية مرة ، والمرة في كلامهم الفعلة الواحدة من موصوفها أو مضافها ، فهي لا تقع إلا جارية على حدث ، بوصف ونحوه ، أو بإضافة ونحوها ، وتقع مفردة ، ومثناة ، ومجموعة ، فتدل على عدم تكرر الفعل ، أو تكرر فعله تكرراً واحداً ، أو تكرره تكرراً متعدداً ، قال تعالى : { سنعذبهم مرتين } [ التوبة : 101 ] وتقول العرب « نهيتك غير مرة فلم تنته » أي مراراً ، وليس لفظ المرة بمعنى الواحدة من الأشياء الأعيان ، ألا ترى أنك تقول : أعطيتك درهماً مرتين ، إذا أعطيته درهماً ثم درهما ، فلا يفهم أنك أعطيته درهمين مقترنين ، بخلاف قولك أعطيتك درهمين .
فقوله تعالى : { الطلاق مرتان } يفيد أن الطلاق الرجعي شرع فيه حق التكرير إلى حد مرتين ، مرة عقب مرة أخرى لا غير ، فلا يتوهم منه في فهم أهل اللسان أن المراد : الطلاق لا يقع إلا طلقتين مقترنتين لا أكثر ولا أقل ، ومن توهم ذلك فاحتاج إلى تأويل لدفعه فقد أبعد عن مجاري الاستعمال العربي ، ولقد أكثر جماعة من متعاطي التفسير الاحتمالات في هذه الآية والتفريع عليها ، مدفوعين بأفهام مولدة ، ثم طبقوها على طرائق جدلية في الاحتجاج لاختلاف المذاهب في إثبات الطلاق البدعي أو نفيه ، وهم في إرخائهم طِوَل القول ناكبون عن معاني الاستعمال ، ومن المحققين من لم يفته المعنى ولم تف به عبارته كما وقع في « الكشاف » .
ويجوز أن يكون تعريف الطلاق تعريف العهد ، والمعهود هو ما يستفاد من قوله تعالى : { والمطلقات يتربصن } إلى قوله { وبعولتهن أحق بردهن } [ البقرة : 228 ] فيكون كالعهد في تعريف الذَّكَر في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } [ آل عمران : 36 ] فإنه معهود مما استفيد من قوله : { إني نذرت لك ما في بطني } [ آل عمران : 35 ] .
وقوله : { فإمساك بمعروفٍ } جملة مفرعة على جملة { الطلاق مرتان } فيكون الفاء للتعقيب في مجرد الذكر ، لا في وجود الحكم . و ( إمساك ) خبر مبتدأ محذوف تقديره فالشأن أو فالأمر إمساك بمعروف أو تسريح على طريقة { فصبر جميل } [ يوسف : 18 ] وإذ قد كان الإمساك والتسريح ممكنين عند كل مرة من مرتي الطلاق ، كان المعنى فإمساك أو تسريح في كل مرة من المرتين ، أي شأن الطلاق أن تكون كل مرة منه معقبة بإرجاع بمعروف أو ترك بإحسان ، أي دون ضرار في كلتا الحالتين . وعليه فإمساك وتسريح مصدران ، مراد منهما الحقيقة والاسم ، دون إرادة نيابة عن الفعل ، والمعنى أن المطلق على رأس أمره فإن كان راغباً في امرأته فشأنه إمساكها أي مراجعتها ، وإن لم يكن راغباً فيها فشأنه ترك مراجعتها فتسرح ، والمقصود من هذه الجملة إدماج الوصاية بالإحسان في حال المراجعة ، وفي حال تركها ، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء ، إبطالاً لأفعال أهل الجاهلية ؛ إذ كانوا قد يراجعون المرأة بعد الطلاق ثم يطلقونها دَوَالَيْك ، لتبقى زمناً طويلاً في حالة ترك إضراراً بها ، إذ لم يكن الطلاق عندهم منتهياً إلى عدد لا يملك بعده المراجعة ، وفي هذا تمهيد لما يرد بعده من قوله : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً } الآية .
ويجوز أن يكون إمساك وتسريح مصدرين جعلا بدلين من فعليهما ، على طريقة المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله ، وأصلهما النصب ، ثم عدل عن النصب إلى الرفع لإفادة معنى الدوام ، كما عدل عن النصب إلى الرفع في قوله تعالى : { قال سلامٌ } [ هود : 69 ] وقد مضى أول سورة الفاتحة ، فيكون مفيداً معنى الأمر بالنيابة عن فعله ، ومفيداً الدوام بإيراد المصدرين مرفوعين ، والتقدير فأمسكوا أو سرحوا . فتبين أن الطلاق حدد بمرتين ، قابلة كل منهما للإمساك بعدها ، والتسريح بإحسان توسعة على الناس ليرتأوا بعد الطلاق ما يليق بحالهم وحال نسائهم ، فلعلهم تعرض لهم ندامة بعد ذوق الفراق ويحسوا ما قد يغفلون عن عواقبه حين إنشاء الطلاق ، عن غضب أو عن ملالة ، كما قال تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } [ الطلاق : 1 ] وقوله : { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزواً } [ البقرة : 231 ] وليس ذلك ليتخذوه ذريعة للإضرار بالنساء كما كانوا يفعلون قبل الإسلام .
وقد ظهر من هذا أن المقصود من الجملة هو الإمساك أو التسريح المطْلَقين وأما تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، فهو إدماج لوصية أخرى في كلتا الحالتين ، إدماجاً للإرشاد في أثناء التشريع .
وقدم الإمساك على التسريح إيماء إلى أنه الأهم ، المرغب فيه في نظر الشرع . والإمساك حقيقته قبض اليد على شيء مخافة أن يسقط أو يتفلت ، وهو هنا استعارة لدوام المعاشرة .
والتسريح ضد الإمساك في معنييه الحقيقي والمجازي ، وهو مستعار هنا لإبطال سبب المعاشرة بعد الطلاق ، وهو سبب الرجعة ثم استعارة ذلك الإبطال للمفارقة فهو مجاز بمرتبتين .
والمعروف هنا هو ما عرفه الناس في معاملاتهم من الحقوق التي قررها الإسلام أو قررتها العادات التي لا تنافي أحكام الإسلام . وهو يناسب الإمساك لأنه يشتمل على أحكام العصمة كلها من إحسان معاشرة ، وغير ذلك ، فهو أعم من الإحسان . وأما التسريح فهو فراق ومعروفه منحصر في الإحسان إلى المفارقة بالقول الحسن والبذل بالمتعة ، كما قال تعالى : { فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً } [ الأحزاب : 49 ] وقد كان الأزواج يظلمون المطلقات ويمنعونهن من حليهن ورياشهن ، ويكثرون الطعن فيهن قال ابن عرفة في « تفسيره » : « فإن قلت هلا قيل فإمساك بإحسان أو تسريح بمعروف قلت عادتهم يجيبون بأن المعروف أخف من الإحسان إذ المعروف حسن العشرة وإعطاء حقوق الزوجية ، والإحسان ألا يظلمها من حقها فيقتضي الإعطاء وبذل المال أشق على النفوس من حسن المعاشرة فجعل المعروف مع الإمساك المقتضي دوام العصمة ، إذ لا يضر تكرره وجعل الإحسان الشاق مع التسريح الذي لا يتكرر » .
وقد أخذ قوم من الآية منع الجمع بين الطلاق الثلاث في كلمة ، بناء على أن المقصود من قوله { مرتان } التفريق وسنذكر ذلك عند قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } [ البقرة : 230 ] الآية .
{ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ } .
يجوز أن تكون الواو اعتراضية ، فهو اعتراض بين المتعاطفين ، وهما قوله : { فإمساك } وقوله { فإن طلقها } ويجوز أن تكون معطوفة على { أو تسريح بإحسان } لأن من إحسان التسريح ألا يأخذ المسرح وهو المطلق عوضاً عن الطلاق ، وهذه مناسبة مجىء هذا الاعتراض ، وهو تفنن بديع في جمع التشريعات والخطاب للأمة ، ليأخذ منه كل أفرادها ما يختص به ، فالزوج يقف عن أخذ المال ، وولي الأمر يحكم بعدم لزومه ، وولي الزوجة أو كبير قبيلة الزوج يسعى ويأمر وينهى ( وقد كان شأن العرب أن يلي هذه الأمور ذوو الرأي من قرابة الجانبين ) وبقية الأمة تأمر بالامتثال لذلك ، وهذا شأن خطابات القرآن في التشريع كقوله : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } إلى قوله : { وارزقوهم فيها } [ النساء : 5 ] وإليه أشار صاحب « الكشاف » .
وقال ابن عطية والقرطبي وصاحب « الكشاف » : الخطاب في قوله : { ولا يحل لكم } للأزواج بقرينة قوله { أن تأخذوا } وقوله : { أتيتموهن } والخطاب في قوله : { فإن خفتم ألا تقيما حدود الله } للحكام ، لأنه لو كان للأزواج لقيل : فإن خفتم ألا تقيموا أو ألا تقيما ، قال في « الكشاف » : « ونحو ذلك غير عزيز في القرآن » اه يعني لظهور مرجع كل ضمير من قرائن المقام ونظره في « الكشاف » بقوله تعالى في سورة الصف ( 13 )