في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

36

ويختم الشوط بالإيقاع الأخير من مشاهد يوم الحساب :

( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا . وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها . وكفى بنا حاسبين ) . .

والحبة من خردل تصور أصغر ما تراه العيون وأخفه في الميزان ، وهي لا تترك يوم الحساب ولا تضيع . والميزان الدقيق يشيل بها أو يميل !

فلتنظر نفس ما قدمت لغد . وليصغ قلب إلى النذير . وليبادر الغافلون المعرضون المستهزئون قبل أن يحق النذير في الدنيا أو في الآخرة . فإنهم إن نجوا من عذاب الدنيا فهناك عذاب الآخرة الذي تعد موازينه ، فلا تظلم نفس شيئا ، ولا يهمل مثقال حبة من خردل .

وهكذا ترتبط موازين الآخرة الدقيقة ، بنواميس الكون الدقيقة ، بسنن الدعوات ، وطبائع الحياة والناس . وتلتقي كلها متناسقة موحدة في يد الإرادة الواحدة مما يشهد لقضية التوحيد وهي محور السورة الأصيل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَنَضَعُ المَوَازِينَ العدل وهو القِسْطَ . وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين ، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر . وقوله : لِيَوْمِ القِيامَةِ يقول : لأهل يوم القيامة ، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه . وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى «في » كأن معناه عنده : ونضع الموازين القسط في يوم القيامة . وقوله : فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا يقول : فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله وطاعة أطاعه بها ولكن يجازي المحسن بإحسانه ، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ . . . إلى آخر الاَية ، وهو كقوله : وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقّ يعني بالوزن : القِسط بينهم بالحقّ في الأعمال الحسنات والسيئات فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه ، يقول : أذهبت حسناته سيئاته ، ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفّت موازينه وأمه هاوية ، يقول : أذهبت سيئاته حسناته .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ قال : إنما هو مثل ، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحقّ . قال الثوري : قال ليث عن مجاهد : وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ قال : العدل .

وقوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أتَيْنا بِها يقول : وإن كان الذي له من عمل الحسنات أو عليه من السيئات وزن حبة من خردل أتَيْنَا بِهَا يقول : جئنا بها فأحضرناها إياه . كما :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : كتبناها وأحصيناها له وعليه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : يؤتي بها لك وعليك ، ثم يعفو إن شاء أو يأخذ ، ويجزي بما عمل له من طاعة .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد أنه كان يقول : وَإنْ كانَ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها قال : جازينا بها .

وقال : أتَيْنَا بِهَا فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث ، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة ، لأنه عني بقوله بها الحبة دون المثقال ، ولو عني به المثقال لقيل «به » . وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأوّل قوله : أتَيْنا بِها على ما ذكرنا عنه ، لأنه كان يقرأ ذلك : «آتَيْنا بِها » بمدّ الألف . وقوله : وكَفَى بِنا حاسِبِينَ يقول : وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين ، لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدّنا من صالح أو سيىء منا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ} (47)

لما توعدهم بنفحة من عذاب الدنيا عقب ذلك بتوعد بوضع { الموازين } وإنما جمعها وهو ميزان واحد من حيث لكل أحد وزن يخصه ووحد { القسط } وهو جاء بلفظ { الموازين } مجموعاً من حيث { القسط } مصدر وصف به كما تقول قوم عدل ورضى وقرأت فرقة «القصط » بالصاد ، وقوله تعالى : { ليوم القيامة } أي لحساب يوم القيامة أو لحكم يوم القيامة فهو بتقدير حذف مضاف والجمهور على أن الميزان في يوم القيامة بعمود وكفتين توزن به الأعمال ليبين المحسوس المعروف عندهم ، والخفة والثقل متعلقة بأجسام ويقرنها الله تعالى يومئذ بالأعمال فإما أن تكون صحف الأعمال أو مثالات تخلق أو ما شاء الله تعالى . وقرأ نافع وحده «مثقالُ » بالرفع على أن تكون { كان } تامة ، وقرأ الجمهور الناس «مثقالَ » بالنصب على معنى وأن كان الشيء أو العمل ، وقرأ الجمهور «أتينا » على معنى جئنا ، وقرأ ابن عباس ومجاهد وغيرهما «آتينا » على معنى «وآتينا » من المواتاة{[8238]} ولا يقدر تفسير آتينا بأعطينا لما تعدت بحرف جر .

قال القاضي أبو محمد : ويوهن هذه القراءة أن بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة ، وفي قوله { وكفى بنا حاسبين } توعد .


[8238]:فالمعنى: جازينا بها، يقال: آتى يؤاتي مؤاتاة، بمعنى: جازى. وقال الزمخشري: هي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة؛ لأنهم أتوه بالأعمال وآتاهم بالجزاء.