في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

16

ثم يتجه الخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه من المهتدين المتقين المتطلعين ؛ ليأخذوا طريقا آخر . طريق العلم والمعرفة والذكر والاستغفار ، والشعور برقابة الله وعلمه الشامل المحيط ؛ ويعيشوا بهذه الحساسية يرتقبون الساعة وهم حذرون متأهبون :

( فاعلم أنه لا إله إلا الله ؛ واستغفر لذنبك ، وللمؤمنين والمؤمنات ؛ والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) . .

وهو التوجيه إلى تذكر الحقيقة الأولى التي يقوم عليها أمر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه :

( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) . .

وعلى أساس العلم بهذه الحقيقة واستحضارها في الضمير تبدأ التوجيهات الأخرى :

واستغفر لذنبك . .

وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ولكن هذا واجب العبد المؤمن الشاعر الحساس الذي يشعر أبدا بتقصيره مهما جهد ؛ ويشعر - وقد غفر له - أن الاستغفار ذكر وشكر على الغفران . ثم هو التلقين المستمر لمن خلف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ممن يعرفون منزلته عند ربه ؛ ويرونه يوجه إلى الذكر والاستغفار لنفسه . ثم للمؤمنين والمؤمنات . وهو المستجاب الدعوة عند ربه . فيشعرون بنعمة الله عليهم بهذا الرسول الكريم . وبفضل الله عليهم وهو يوجهه لأن يستغفر لهم ، ليغفر لهم ! واللمسة الأخيرة في هذا التوجيه :

( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) . .

حيث يشعر القلب المؤمن بالطمأنينة وبالخوف جميعا . الطمأنينة وهو في رعاية الله حيثما تقلب أو ثوى . والخوف من هذا الموقف الذي يحيط به علم الله ويتعقبه في كل حالاته ، ويطلع على سره ونجواه . .

إنها التربية . التربية باليقظة الدائمة والحساسية المرهفة ، والتطلع والحذر والانتظار . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلََهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة ، ويجوز لك وللخلق عبادته ، إلا الله الذي هو خالق الخلق ، ومالك كلّ شيء ، يدين له بالربوبية كلّ ما دونه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها ، وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم يقول : فإن الله يعلم متصرّفكم فيما تتصرّفون فيه في يقظتكم من الأعمال ، ومثواكم إذا ثويتم في مضاجعكم للنوم ليلاً ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على جميع ذلك . وقد :

حدثنا أبو كُريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا إبراهيم بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس ، قال : أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقال رجل من القوم : أستغفر لك يا رسول الله ، قال : «نَعَمْ وَلكَ » ، ثم قرأ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ} (19)

وقوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } الآية إضراب عن أمر هؤلاء المنافقين وذكر الأهم ، والمعنى : دم على علمك ، وهذا هو القانون في كل أمر بشيء هو متلبس به ، وهذا خطاب للنبي عليه السلام ، وكل واحد من الأمة داخل معه فيه . واحتج بهذه الآية من قال من أهل السنة : إن العلم والنظر قبل القول ، والإقرار في مسألة أول الواجبات . وبوب البخاري رحمه الله العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } الآية ، وواجب على كل مؤمن أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من لم يكن عنده ما يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنها صدقة ){[10368]} . وقال الطبري وغيره : { متقلبكم } تصرفكم في يقظتكم . { ومثواكم } منامكم . وقال ابن عباس : { متقلبكم } تصرفكم في حياتكم الدنيا . { ومثواكم } في قبوركم وفي آخرتكم .


[10368]:وقد روى مسلم وأحمد في صحيحهما، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس المخزومي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت من طعامه فقلت: يا رسول الله، غفر الله لك، فقال له صاحبي: هل استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟قال: نعم، ولك، ثم تلا هذه الآية:{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}، ثم تحولت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه جُمعا عليه خيلان كأنه الثآليل. ومعنى"جمعا": مثل جمع الأصابع وضمها، والخيلان: جمع خال وهي الشامة في الجسد، والثآليل: جمع ثؤلول، وهي حبيبات تعلو الجسد. قال ابن كثير، وهذا الحديث رواه الترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم.