في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق مكية وآياتها خمس

هذه السورة والتي بعدها توجيه من الله - سبحانه وتعالى - لنبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ابتداء وللمؤمنين من بعده جميعا ، للعياذ بكنفه ، واللياذ بحماه ، من كل مخوف : خاف وظاهر ، مجهول ومعلوم ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل . . وكأنما يفتح الله - سبحانه - لهم حماه ، ويبسط لهم كنفه ، ويقول لهم ، في مودة وعطف : تعالوا إلى هنا . تعالوا إلى الحمى . تعالوا إلى مأمنكم الذي تطمئنون فيه . تعالوا فأنا أعلم أنكم ضعاف وأن لكم أعداء وأن حولكم مخاوف وهنا . . هنا الأمن والطمأنينة والسلام . .

ومن ثم تبدأ كل منهما بهذا التوجيه . ( قل : أعوذ برب الفلق ) . . ( قل : أعوذ برب الناس ) . .

وفي قصة نزولها وقصة تداولها وردت عدة آثار ، تتفق كلها مع هذا الظل الذي استروحناه ، والذي يتضح من الآثار المروية أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] استروحه في عمق وفرح وانطلاق :

عن عقبة - ابن عامر - رضي الله عنه - أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط ? قل : أعوذ برب الفلق وقل : أعوذ برب الناس " . .

وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال لي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اقرأ يا جابر " . قلت : ماذا بأبي أنت وأمي ? قال " اقرأ : قل أعوذ برب الفلق . وقل أعوذ برب الناس " فقرأتهما . فقال : " اقرأ بهما فلن تقرأ بمثلهما " . .

وعن ذر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن المعوذتين . قلت : يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا [ وكان ابن مسعود لا يثبتهما في مصحفه ثم ثاب إلى رأي الجماعة وقد أثبتهما في المصحف ] فقال : سألت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : " قيل لي : قل . فقلت " . فنحن نقول كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وكل هذه الآثار تشي بتلك الظلال الحانية الحبيبة . .

وهنا في هذه السورة يذكر الله - سبحانه - نفسه بصفته التي بها يكون العياذ من شر ما ذكر في السورة .

( قل أعوذ برب الفلق ) . . والفلق من معانيه الصبح ، ومن معانيه الخلق كله . بالإشارة إلى كل ما يفلق عنه الوجود والحياة ، كما قال في الأنعام : ( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ) . . وكما قال : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ) . .

وسواء كان هو الصبح فالاستعاذة برب الصبح الذي يؤمن بالنور من شر كل غامض مستور ، أو كان هو الخلق فالاستعاذة برب الخلق الذي يؤمن من شر خلقه ، فالمعنى يتناسق مع ما بعده . .