هي خمس آيات وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة ، وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق . قال السيوطي : صحيحة عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين في المصحف يقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله ، إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما . قال البزار : لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف . وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال «أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب ، فقلت له : أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فقال : أما والذي بعث محمداً بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك ، قال : قيل لي : قل ، فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » . وأخرج الطبراني عن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هاتين السورتين ، فقال : قيل لي ، فقلت فقولوا كما قلت » . وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } » . وأخرج ابن الضريس وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه في الشعب عن عقبة بن عامر قال «قلت يا رسول الله : أقرئني سورة يوسف وسورة هود ، قال : يا عقبة اقرأ بقل أعوذ برب الفلق ، فإنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله وأبلغ منها ، فإذا استطعت أن لا تفوتك فافعل » . وأخرج ابن سعد والنسائي والبغوي والبيهقي عن أبي حابس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا أبا حابس أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال : { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } هما المعوذتان » . وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإنس ، فلما نزلت سورة المعوذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك » . وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال ، ومنها أنه كان يكره الرقى إلا بالمعوذتين » . وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحب السور إلى الله { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } » . وأخرج النسائي وابن الضريس وابن حبان في صحيحه وابن الأنباري وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : «أخذ بمنكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اقرأ ، قلت : ما أقرأ بأبي أنت وأمي ؟ قال : { قل أعوذ برب الفلق } ثم قال : اقرأ ، بأبي أنت وأمي ما أقرأ ؟ قال : { قل أعوذ برب الناس } ، ولم تقرأ بمثلهما » . وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده عليه رجاء بركتهما » . وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من طريق مالك بالإسناد المذكور . وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن أرقم قال «سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، فاشتكى فأتاه جبريل ، فنزل عليه بالمعوّذتين ، وقال : إن رجلاً من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان ، فأرسل علياً فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال » . وأخرجه ابن مردويه والبيهقي من حديث عائشة مطولا ، وكذلك أخرجه ابن مردويه من حديث ابن عباس . وقد ورد في فضل المعوذتين ، وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما في الصلاة وغيرهما أحاديث ، وفيما ذكرناه كفاية . وأخرج الطبراني في الصغير عن علي بن أبي طالب قال «لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي ، فلما فرغ قال : لعن الله العقرب لا تدع مصلياً ولا غيره ، ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ : قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس » .
{ الفلق } الصبح ، يقال : هو أبين من فلق الصبح ، وسمي فلقاً لأنه يفلق عنه الليل . وهو فعل بمعنى مفعول . قال الزجاج : لأن الليل ينفلق عنه الصبح ، ويكون بمعنى مفعول . يقال : هو أبين من فلق الصبح ، ومن فرق الصبح ، وهذا قول جمهور المفسرين ، ومنه قول ذي الرّمة :
حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق *** هادئة في أخريات الليل منتصب
يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا *** أرعى النجوم لي أن نوّر الفلق
وقيل : هو سجن في جهنم . وقيل : هو اسم من أسماء جهنم . وقيل : شجرة في النار . وقيل : هو الجبال والصخور ، لأنها تفلق بالمياه : أي تشقق . وقيل : هو التفليق بين الجبال ، لأنها تنشق من خوف الله . قال النحاس : يقال لكل ما اطمأنّ من الأرض فلق ، ومنه قول زهير :
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت *** أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
والراكس : بطن الوادي ، ومثله قول النابغة :
وقيل : هو الرحم تنفلق بالحيوان ، وقيل : هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحبّ والنوى وكلّ شيء من نبات وغيره قاله الحسن والضحاك . قال القرطبي : هذا القول يشهد له الانشقاق ، فإن الفلق الشقّ ، فلقت الشيء فلقاً : شققته ، والتفليق مثله ، يقال فلقته فانفلق وتفلق ، فكلّ ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحبّ ونوى وماء فهو فلق . قال الله سبحانه : { فَالِقُ الإصباح } [ الأنعام : 96 ] وقال : { فَالِقُ الحب والنوى } [ الأنعام : 95 ] انتهى . والقول الأوّل أولى لأن المعنى وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق . وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه ويخشاه . وقيل : طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح ؛ فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظراً لطلوع الصباح ، كذلك الخائف يكون مترقباً لطلوع صباح النجاح ، وقيل : غير هذا مما هو مجرّد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.