التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق

في السورة تعليم رباني بالاستعاذة بالله من أسباب المخاوف والهواجس في معرض تدعيم وحدة الله ، ونبذ ما سواه .

وبعض الروايات تذكر أنها مكية ، وبعضها تذكر أنها مختلف في مكيتها ومدنيتها ، ومعظم روايات ترتيب النزول تسلكها في سلك السور المكية المبكرة في النزول ، وأسلوبها يسوغ ترجيح مكيتها ، وتبكير نزولها .

ولقد روى البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه المعوذتين وينفث ، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه ، وأمسح بيده رجاء بركتها ){[1]} .

وروى البخاري عنها أيضا : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ، فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } و{ قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده . يبدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات ){[2]} .

وروى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تر آيات أنزلت عليّ الليلة لم ير مثلهن قط ؟ { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } " {[3]} .

وروى أبو داود والنسائي عن عقبة أيضا قال : ( كنت أقود لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ناقته ، فقال لي : " يا عقبة ، ألا أعلمك خير سورتين قرئتا " ؟ فعلمني : { قل أعوذ برب الفلق } و{ قل أعوذ برب الناس } " {[4]} .

وروى الاثنان نفسهما عن عقبة كذلك قال : ( بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذا غشيتنا ريح وظلمة شديدة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالمعوذتين ويقول : " يا عقبة تعوذ بهما ، فما تعوذ متعوذ بمثلهما " . قال : وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة " {[5]} . وروى الترمذي بسند حسن عن عقبة أيضا قال : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة " {[6]} .

والمتبادر أن ما احتوته السورتان من بث السكينة والطمأنينة في النفس ، وتعليم اللجوء إلى الله تعالى وحده ، والاستعاذة به في ظروف المخاوف والأزمات النفسية المتنوعة ، من الحكمة المنطوية في الأحاديث ، وهي حكمة مستمرة الفائدة لاستمرار دواعيها .

( 1 ) أعوذ : أحتمي وألتجئ .

( 2 ) الفلق : أوجه الأقوال أنه فلق الصبح أو الفجر ؛ حيث ينفلق من ظلمة الليل .

بسم الله الرحمان الرحيم

1


[1]:التاج جـ 5 ص 382.
[2]:كتب السيد رشيد رضا في تفسيره في صدد هذه النقطة وفي سياق آية مماثلة للآية هنا وهي الآية [128] من سورة الأنعام أكثر من خمس وعشرين صفحة استعرض فيها أقوال من يقول بالتأييد ومن يقول بخلافه وأورد حججهم النقلية والعقلية وانتهى إلى إناطة الأمر إلى حكمة الله ورحمته وعدله.
[3]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[4]:التاج جـ 5 ص 173 و 174.
[5]:انظر تفسير الآيات في كشاف الزمخشري
[6]:تفسير الخازن