البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفلق

هذه السورة مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . ورواية كريب عن ابن عباس مدنية ، في قول ابن عباس في رواية صالح وقتادة وجماعة . قيل : وهو الصحيح . وسبب نزول المعوّذتين قصة سحر لبيد بن الأعصم اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جف ، والجف قشر الطلع فيه مشاطة رأسه عليه الصلاة والسلام وأسنان مشطه ، ووتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروز بالإبر ، فأنزلت عليه المعوّذتان ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة ، فقام فكأنما نشط من عقال .

الفلق : فعل بمعنى مفعول ، وتأتي أقوال أهل التفسير فيه إن شاء الله تعالى .

ولما شرح أمر الإلهية في السورة قبلها ، شرح ما يستعاذ منه بالله من الشرّ الذي في العالم ومراتب مخلوقاته .

والفلق : الصبح ، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد ، وفي المثل : هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح ، وقال الشاعر :

يا ليلة لم أنمها بت مرتقباً *** أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق

وقال الشاعر يصف الثور الوحشي :

حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق *** هاديه في أخريات الليل منتصب

وقيل : الفلق : كلما يفلقه الله تعالى ، كالأرض والنبات والجبال عن العيون ، والسحاب عن المطر ، والأرحام عن الأولاد ، والحب والنوى وغير ذلك .

وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين : الفلق : جب في جهنم ، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لما اطمأن من الأرض الفلق ، وجمعه فلقان .

وقيل : واد في جهنم .

وقال بعض الصحابة : بيت في جهنم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره .