في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (34)

30

( وإذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم . فسجدوا ) . .

إنه التكريم في أعلى صوره ، لهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، ولكنه وهب من الأسرار ما يرفعه على الملائكة . لقد وهب سر المعرفة ، كما وهب سر الإرادة المستقلة التي تختار الطريق . . إن ازدواج طبيعته ، وقدرته على تحكيم إرادته في شق طريقه ، واضطلاعه بأمانة الهداية إلى الله بمحاولته الخاصة . . إن هذا كله بعض أسرار تكريمه .

ولقد سجد الملائكة امتثالا للأمر العلوي الجليل .

( إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) . .

وهنا تتبدى خليقة الشر مجسمة : عصيان الجليل سبحانه ! والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله . والعزة بالإثم . والاستغلاق عن الفهم .

ويوحي السياق أن إبليس لم يكن من جنس الملائكة ، إنما كان معهم . فلو كان منهم ما عصى . وصفتهم الأولى أنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) . . والاستثناء هنا لا يدل على أنه من جنسهم ، فكونه معهم يجيز هذا الاستثناء ، كما تقول : جاء بنو فلان إلا أحمد . وليس منهم إنما هو عشيرهم وإبليس من الجن بنص القرآن ، والله خلق الجان من مارج من نار . وهذا يقطع بأنه ليس من الملائكة .

/خ39