تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

ثم ذكر من جلاله وكماله ما يقتضي إخلاص العبادة له فقال : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } أي : العلي الأعلى ، الذي استوى على العرش واختص به ، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته ، وارتفع به قدره ، وجلت أوصافه ، وتعالت ذاته ، أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر ، وهو الإخلاص ، الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه ، ثم ذكر نعمته على عباده بالرسالة والوحي ، فقال : { يُلْقِي الرُّوحَ } أي : الوحي الذي للأرواح والقلوب بمنزلة الأرواح للأجساد ، فكما أن الجسد بدون الروح لا يحيا ولا يعيش ، فالروح والقلب بدون روح الوحي لا يصلح ولا يفلح ، فهو تعالى { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } الذي فيه نفع العباد ومصلحتهم .

{ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الرسل الذين فضلهم الله واختصهم الله لوحيه ودعوة عباده .

والفائدة في إرسال الرسل ، هو تحصيل سعادة العباد في دينهم ودنياهم وآخرتهم ، وإزالة الشقاوة عنهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم ، ولهذا قال : { لِيُنْذِرَ } من ألقى الله إليه الوحي { يَوْمَ التَّلَاقِ } أي : يخوف العباد بذلك ، ويحثهم على الاستعداد له بالأسباب المنجية مما يكون فيه .

وسماه { يوم التلاق } لأنه يلتقي فيه الخالق والمخلوق والمخلوقون بعضهم مع بعض ، والعاملون وأعمالهم وجزاؤهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

وقوله تعالى : { رفيع الدرجات } صفاته العلى ، وعبر بما يقرب لأفهام السامعين ، ويحتمل أن يريد ب { رفيع الدرجات } التي يعطيها للمؤمنين ويتفضل بها على عباده المخلصين في جنة . و : { العرش } هو الجسم المخلوق الأعظم الذي السماوات السبع والأرضون فيه كالدنانير في الفلاة من الأرض .

وقوله تعالى : { يلقي الروح } قال الضحاك : { الروح } هنا هو الوحي القرآن وغيره مما لم يتل . وقال قتادة والسدي : { الروح } النبوءة ومكانتها كما قال تعالى : { روحاً من أمرنا }{[9972]} ويسمى هذا روحاً لأنه يحيي به الأمم والأزمان كما يحيي الجسد بروحه ، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عاماً لكل ما ينعم الله به على عباده المعتدين في تفهيمه الإيمان والمعتقدات الشريفة . والمنذر على هذا التأويل : هو الله تعالى . قال الزجاج : { الروح } : كل ما به حياة الناس ، وكل مهتد حي ، وكل ضال كالميت .

وقوله : { من أمره } إن جعلته جنساً للأمور ف { من } للتبعيض أو لابتداء الغاية ، وإن جعلنا الأمر من معنى الكلام : ف { من } إما لابتداء الغاية ، وإما بمعنى الباء ، ولا تكون للتبعيض بتة وقرأ أبي بن كعب : وجماعة : «لينذِر » بالياء وكسر الذال ، وفي الفعل ضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى ، ويحتمل أن يعود على { الروح } ، ويحتمل أن يعود على { من } في قوله : { من يشاء } . وقرأ محمد بن السميفع اليماني : «لينذَر » بالياء وفتح الذال ، وضم الميم من «يومُ » وجعل اليوم منذراً على الاتساع . وقرا جمهور الناس : «لتنذر » بالتاء على مخاطبة محمد عليه السلام ، ويومَ «بالنصب .

وقرأ أبو عمرو ونافع وجماعة : » التلاق «دون ياء . وقرأ أبو عمرو أيضاً وعيسى ويعقوب : » التلاقي «بالياء ، والخلاف فيها كالخلاف الذي مر في { التنادي }{[9973]} ، ومعناه : تلاقي جميع العالم بعضهم ببعض ، وذلك أمر لم يتفق قبل ذلك اليوم ، وقال السدي : معناه : تلاقي أهل السماء وأهل الأرض ، وقيل معناه تلاقي الناس مع بارئهم ، وهذا المعنى الأخير هو أشدها تخويفاً ، وقيل يلتقي المرء وعمله .


[9972]:من الآية (52) من سورة (الشورى).
[9973]:من الآية (32) من هذه السورة. ونلحظ أنه لم يمر، بل سيأتي.