ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام ، أخبر أنه أيام معدودات ، أي : قليلة في غاية السهولة .
ثم سهل تسهيلا آخر . فقال : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وذلك للمشقة ، في الغالب ، رخص الله لهما ، في الفطر .
ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن ، أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض ، وانقضى السفر ، وحصلت الراحة .
وفي قوله : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ } فيه دليل على أنه يقضي عدد أيام رمضان ، كاملا كان ، أو ناقصا ، وعلى أنه يجوز أن يقضي أياما قصيرة باردة ، عن أيام طويلة حارة كالعكس .
وقوله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يطيقون الصيام { فِدْيَةٌ } عن كل يوم يفطرونه { طَعَامُ مِسْكِينٍ } وهذا في ابتداء فرض الصيام ، لما كانوا غير معتادين للصيام ، وكان فرضه حتما ، فيه مشقة عليهم ، درجهم الرب الحكيم ، بأسهل طريق ، وخيَّر المطيق للصوم بين أن يصوم ، وهو أفضل ، أو يطعم ، ولهذا قال : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }
ثم بعد ذلك ، جعل الصيام حتما على المطيق وغير المطيق ، يفطر ويقضيه في أيام أخر [ وقيل : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } أي : يتكلفونه ، ويشق عليهم مشقة غير محتملة ، كالشيخ الكبير ، فدية عن كل يوم مسكين{[123]} وهذا هو الصحيح ]{[124]} .
{ أياما معدودات } مؤقتات بعدد معلوم ، أو قلائل . فإن القليل من المال يعد عدا والكثير يهال هيلا ، ونصبها ليس بالصيام لوقوع الفصل بينهما ، بل بإضمار صوموا لدلالة الصيام عليه ، والمراد به رمضان أو ما وجب صومه قبل وجوبه ونسخ به ، وهو عاشوراء أو ثلاثة أيام من كل شهر ، أو ب " كما كتب " على الظرفية ، أو على أنه مفعول ثان ل{ كتب عليكم } على السعة . وقيل معناه صومكم كصومهم في عدد الأيام ، لما روي : أن رمضان كتب على النصارى ، فوقع في برد أو حر شديد فحولوه إلى الربيع وزادوا عليه عشرين كفارة لتحويله . وقيل زادوا ذلك لموتان أصابهم . { فمن كان منكم مريضا } مرضا يضره الصوم أو يعسر معه . { أو على سفر } أو راكب سفر ، وفيه إيماء إلى أن من سافر أثناء اليوم لم يفطر . { فعدة من أيام أخر } أي فعليه صوم عدد أيام المرض ، أو السفر من أيام أخر إن أفطر ، فحذف الشرط والمضاف والمضاف إليه للعلم بها . وقرئ بالنصب أي فليصم عدة ، وهذا على سبيل الرخصة . وقيل على الوجوب وإليه ذهب الظاهرية وبه قال أبو هريرة رضي الله عنه { وعلى الذين يطيقونه } وعلى المطيقين للصيام إن أفطروا . { فدية طعام مسكين } نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند فقهاء العراق ، ومد عند فقهاء الحجاز . رخص لهم في ذلك أول الأمر لما أمروا بالصوم فاشتد عليهم لأنهم لم يتعودوه ، ثم نسخ . وقرأ نافع وابن عامر برواية ابن ذكوان بإضافة الفدية إلى الطعام وجمع " المساكين " . وقرأ ابن عامر برواية هشام " مساكين " بغير إضافة الفدية إلى الطعام ، والباقون بغير إضافة وتوحيد مسكين ، وقرئ " يطوقونه " أي يكلفونه ويقلدونه في الطوق بمعنى الطاقة أو القلادة ويتطوقونه أي يتكلفونه ، أو يتقلدونه ويطوقونه بالإدغام ، و " يطيقونه " و " يطيقونه " على أن أصلهما يطيقونه من فيعل وتفيعل بمعنى يطوقونه ويتطوقونه ، وعلى هذه القراءات يحتمل معنى ثانيا وه والرخصة لمن يتعبه الصوم ويجهده وهم الشيوخ والعجائز- في الإفطار والفدية ، فيكون ثابتا وقد أول به القراءة المشهورة ، أي يصومونه جهدهم وطاقتهم . { فمن تطوع خيرا } فزاد في الفدية . { فهو } فالتطوع أو الخير . { خير له وأن تصوموا } أيها المطيقون ، أو المطوقون وجهدتم طاقتكم . أو المرخصون في الإفطار ليندرج تحته المريض والمسافر . { خير لكم } من الفدية أو تطوع الخير أو منهما ومن التأخير للقضاء . { إن كنتم تعلمون } ما في الصوم من الفضيلة وبراءة الذمة ، وجوابه محذوف دل عليه ما قبله أي اخترتموه . وقيل معناه إن كنتم من أهل العلم والتدبر علمتم أن الصوم خير لكم من ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.