وأعمالهم{[733]} كل ما شاء سليمان ، عملوه .
{ مِنْ مَحَارِيبَ } وهو كل بناء يعقد ، وتحكم به الأبنية ، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة ، { وَتَمَاثِيلَ } أي : صور الحيوانات والجمادات ، من إتقان صنعتهم ، وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } أي : كالبرك الكبار ، يعملونها لسليمان للطعام ، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها ، من عظمها .
فلما ذكر منته عليهم ، أمرهم بشكرها فقال : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ } وهم داود ، وأولاده ، وأهله ، لأن المنة على الجميع ، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم . { شُكْرًا } للّه على ما أعطاهم ، ومقابلة لما أولاهم . { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأكثرهم ، لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه ، ودفع عنهم من النقم .
والشكر : اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى ، وتلقيها افتقارا إليها ، وصرفها في طاعة اللّه تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية .
وقوله : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } : أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره .
وقال مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور . وقال الضحاك : هي المساجد . وقال قتادة : هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد : هي المساكن . وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي : التماثيل : الصور . قال مجاهد : وكانت من نحاس . وقال قتادة : من طين وزجاج .
وقوله : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } الجواب : جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس :
تَرُوحُ عَلَى آل المَحَلَّق جَفْنَةٌ *** كَجَابِيَة الشَّيخ العِراقي تَفْهَق{[24187]} {[24188]}
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { كَالْجَوَابِ } أي : كالجوبة من الأرض .
وقال العوفي ، عنه : كالحياض . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم .
والقدور الراسيات : أي الثابتات ، في أماكنها{[24189]} لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها . كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما .
وقوله : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } أي : وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين .
وشكرًا : مصدر من غير الفعل ، أو أنه مفعول له ، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية ، كما قال :
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي{[24190]} ثَلاثةً : *** يدِي ، ولَسَاني ، وَالضَّمير المُحَجَّبَا
قال أبو عبد الرحمن الحُبلي{[24191]} : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تعمله لله شكر . وأفضل الشكر الحمد . رواه ابن جرير .
وروى هو وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القُرَظي قال : الشكر تقوى الله والعمل الصالح .
وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل ، وقد كان آل داود ، عليه السلام ، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا .
قال{[24192]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، حدثنا جعفر - يعني : ابن سليمان - عن ثابت البُنَاني قال : كان داود ، عليه السلام ، قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة ، فكان لا تأتي عليهم{[24193]} ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي ، فغمرتهم هذه الآية : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما . ولا يَفر إذا لاقى » . {[24194]}
وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سُنيْد بن داود ، حدثنا يوسف بن محمد بن المُنْكَدِر ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالت أمّ سليمان بن داود لسليمان : يا بني ، لا تكثر النوم بالليل ، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيرًا يوم القيامة » . {[24195]}
وروى ابن أبي حاتم عن داود ، عليه السلام ، هاهنا أثرا غريبا مطولا جدا ، وقال أيضًا :
حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا أبو يزيد{[24196]} فيض بن إسحاق الرقي{[24197]} قال : قال فضيل في قوله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } . فقال داود : يا رب ، كيف أشكرك ، والشكر نعمة منك ؟ قال : " الآن شكرتني حين علمت{[24198]} أن النعمة{[24199]} مني " .
وقوله : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } إخبار عن الواقع .
{ يعملون له ما يشاء من محاريب } قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها . { وتماثيل } وصورا هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد . روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . { وجفان } وصحاف . { كالجواب } كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة . { وقدور راسبات } ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها . { اعملوا آل داود شكرا } حكاية عما قيل لهم { وشكرا } نصب على العلة أي : اعلموا له واعبدوه شكرا ، أو المصدر لأن العمل له شكرا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به . { وقليل من عبادي الشكور } المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه ، لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرا آخر لا إلى نهايته ، ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.