تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

{ 60-82 } { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا } إلى قوله : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ْ }

يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام ، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم ، أنه قال لفتاه - أي : خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره ، وهو " يوشع بن نون " الذي نبأه الله بعد ذلك : - { لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ْ } أي : لا أزال مسافرا وإن طالت علي الشقة ، ولحقتني المشقة ، حتى أصل إلى مجمع البحرين ، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين ، عنده من العلم ، ما ليس عندك ، { أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ْ } أي : مسافة طويلة ، المعنى : أن الشوق والرغبة ، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة ، وهذا عزم منه جازم ، فلذلك أمضاه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

سبب قول موسى [ عليه السلام ]{[18305]} لفتاه - وهو يُشوع بن نُون - هذا الكلام : أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله بمجمع البحرين ، عنده من العلم ما لم يحط به موسى ، فأحب الذهاب إليه ، وقال لفتاه ذلك : { لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ } أي لا أزال سائرًا حتى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين ، قال الفرزدق :

فَمَا بَرحُوا حَتَّى تَهَادَتْ نسَاؤهُم *** بِبَطْحَاء ذي قار عيابَ اللطَائم{[18306]}

قال قتادة وغير واحد : وهما بحر فارس مما يلي المشرق ، وبحر الروم مما يلي المغرب .

وقال محمد بن كعب القُرظي : مجمع البحرين عند طنجة ، يعني في أقصى بلاد المغرب ، فالله أعلم .

وقوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } أي : ولو أني أسير حقبًا من الزمان .

قال ابن جرير ، رحمه الله : ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحُقُب في لغة قيس{[18307]} : سنة . ثم قد روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : الحُقُب ثمانون سنة . وقال مجاهد : سبعون خريفًا . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : { أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } قال : دهرًا . وقال قتادة ، وابن زيد ، مثل ذلك .

/خ65


[18305]:زيادة من ف، أ.
[18306]:البيت في تفسير الطبري (15/176).
[18307]:في ف، أ: "العرب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىَ لِفَتَاهُ لآ أَبْرَحُ حَتّىَ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } .

يقول عزّ ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد إذ قال موسى بن عمران لفتاه يوشع : لا أبْرَحُ يقول : لا أزال أسير حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا أبْرَحُ قال : لا أنتهي .

وقيل : عنى بقوله : مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ اجتماع بحر فارس والروم ، والمجمع : مصدر من قولهم : جمع يجمع . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ والبحران : بحر فارس وبحر الروم ، وبحر الروم مما يلي المغرب ، وبحر فارس مما يلي المشرق .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ قال : بحر فارس ، وبحر الروم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مجمَع البَحْرَينِ قال : بحر الروم ، وبحر فارس ، أحدهما قِبَل المشرق ، والاَخر قِبَل المغرب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : مُجْمَعَ البَحْرَيْنِ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن الضريس ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب ، في قوله : لا أبْرَحُ حتى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ قال : طنجة .

وقوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا يقول : أو أسير زمانا ودهرا ، وهو واحد ، ويجمع كثيره وقليله : أحقاب . وقد تقول العرب : كنت عنده حقبة من الدهر ، ويجمعونها حُقبا . وكان بعض أهل العربية بوجه تأويل قوله لا أبْرَحُ : أي لا أزول ، ويستشهد لقوله ذلك ببيت الفرزدق :

فمَا بَرِحُوا حتى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ *** ببَطْحاءِ ذِي قارٍ عِيابَ اللّطائِمِ

يقول : ما زالوا .

وذكر بعض أهل العلم بكلام العرب ، أن الحقب في لغة قيس : سنة . فأما أهل التأويل فإنهم يقولون في ذلك ما أنا ذاكره ، وهو أنهم اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو ثمانون سنة . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن هشيم ، قال : حدثنا أبو بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : الحقب : ثمانون سنة .

وقال آخرون : هو سبعون سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : سبعين خريفا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون في ذلك ، بنحو الذي قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : دهرا .

حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله حُقَبا قال : الحقب : زمان .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ أمْضِيَ حُقُبا قال : الحقب : الزمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

وقوله { وإذ قال موسى } الآية ابتداء قصة ليست من الكلام الأول ، المعنى : اذكر واتل ، و { موسى } هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ وبظاهر القرآن ، إذ ليس في القرآن موسى غير واحد ، وهو ابن عمران ولو كان في هذه الآية غيره لبينه ، وقالت فرقة منها نوف البكالي أنه ليس موسى بن عمران ، وهو موسى بن مشنى ، ويقال ابن منسى ، وأما «فتاه » فعلى قول من قال موسى بن عمران ، فهو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب ، وأما من قال هو موسى بن مشنى فليس الفتى يوشع بن نون ، ولكنه قول غير صحيح ، رده ابن عباس وغيره و «الفتي » في كلام العرب الشاب ، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتياناً ، قيل للخادم فتى ، على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم :

«لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي »{[7841]} ، فهذا اندب إلى التواضع ، و «الفتى » في الآية هو الخادم ، ويوشع بن نون يقال هو ابن أخت موسى عليه السلام ، وسبب هذه القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى جلس يوماً في مجلس لبني إسرائيل ، وخطب فأبلغ ، فقيل له هل تعلم أحداً أعلم منك قال لا ، فأوحى الله إليه بلى : عبدنا خضر{[7842]} ، فقال يا رب دلني على السبيل إلى لقيه{[7843]} ، فأوحى الله إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ { مجمع البحرين } فإذا فقدت الحوت فإنه هنالك ، وأمر أن يتزود حوتاً ، ويرتقب زواله عنه ، ففعل موسى ذلك وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة { لا أبرح } أسير ، أي لا أزال ، وإنما قال هذه المقالة وهو سائر ، ومن هذا قول الفرزدق : [ الطويل ]

فما برحوا حتى تهادت نساؤهم . . . ببطحاء ذي قار عياب اللطائم{[7844]}

وذكر الطبري عن ابن عباس : قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت الحال خطب يوماً ، فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل ، ثم ذكر نحو ما تقدم ، وما مر بي قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام ، وما أراه يصح ، بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين ، وفي هذه القصة من الفقه الرحلة في طلب العلم ، والتواضع للعالم ، وقرأ الجمهور «مَجمَع » بفتح الميمين ، وقرأ الضحاك «مَجمِع » بكسر الميم الثانية ، واختلف الناس في { مجمع البحرين } أين هو ؟ فقال مجاهد وقتادة هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم .

قال القاضي أبو محمد : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى الجنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام ، هو { مجمع البحرين } هو عند طنجة وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا . وروي عن أبي بن كعب أنه قال { مجمع البحرين } بإفريقية ، وهذا يقرب من الذي قبله ، وقال بعض أهل العلم هو بحر الأندلس من البحر المحيط ، وهذا كله واحد حكاه النقاش وهذا مما يذكر كثيراً ، ويذكر أن القرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء ، وقالت فرقة { مجمع البحرين } يريد بحراً ملحاً وبحراً عذباً ، فعلى هذا إنما كان الخضر عند موقع نهر عظيم في البحر ، وقالت فرقة البحران إنما هما كناية عن موسى والخضر ، لأنهما بحرا علم ، وهذا قول ضعيف والأمر بين من الأحاديث أنه إنما رسم له ماء بحر ، وقوله { أو أمضي حقباً } معناه أو أمضي على وجهي زماناً ، واختلف القراء ، فقرأ الحسن والأعمش وعاصم «حقباً » بسكون القاف{[7845]} ، وقرأ الجمهور «حقباً » بضمه ، وهو تثقيل حقب ، وجمع الحقب أحقاب ، واختلف في الحقب ، فقال عبد الله بن عمرو ثمانون سنة ، وقال مجاهد سبعون ، وقال الفراء «الحقب » سنة واحدة وقال ابن عباس وقتادة أزمان غير محدودة وقالت فرقة «الحقب » جمع حقبة ، وفي السنة كأنه قال أو أمضي سنين .


[7841]:أخرجه مسلم في الألفاظ، وأحمد في مسنده (2ـ444، 496)، ولفظه كما في المسند، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك (لا يقل أحدكم لعبده: عبدي، ولكن ليقل: فتاي، ولا يقل العبد لسيده: ربي، ولكن ليقل: سيدي).
[7842]:في بعض النسخ: "بل عبدنا خضر".
[7843]:اللقي: مصدر لقي، يقال: لقيه لقاء، وتلقاء، ولقيا، ولقيانا، ولقية، بمعنى: استقبله وصادفه.
[7844]:البيت من قصيدة للفرزدق يمدح بها عبد الله بن عبد الأعلى الشيباني، وهو في الديوان، ومطلعها: إني وإن كانت تميم عمارتي وكنت إلى القدموس منها القماقم والبطحاء: المكان المتسع يمر به السيل فيترك فيه صغار الحصى والرمل. وذو قار: مكان معروف، والعياب: جمع عيبة وهي ما يجعل فيه الثياب وغيرها. واللطائم: جمع لطيمة، وهي وعاء المسك، يقال: فاحت اللطيمة، وكأن فاها لطيمة تاجر. والبيت هنا للاستشهاد على أن (لا أبرح) بمعنى: لا أزال.
[7845]:هذه قراءة عاصم في رواية أبي بكر، أما رواية حفص عنه فهي كقراءة الجمهور [حقبا] بضم الحاء والقاف كما هو ثابت في المصحف.