تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وخلق الموت والحياة أي : قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم ؛ { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي : أخلصه وأصوبه ، فإن{[1173]}  الله خلق عباده ، وأخرجهم لهذه الدار ، وأخبرهم أنهم سينقلون منها ، وأمرهم ونهاهم ، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ، أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء .

{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي له العزة كلها ، التي قهر بها جميع الأشياء ، وانقادت له المخلوقات .

{ الْغَفُورُ } عن المسيئين والمقصرين والمذنبين ، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا ، فإنه يغفر ذنوبهم ، ولو بلغت عنان السماء ، ويستر عيوبهم ، ولو كانت ملء الدنيا .


[1173]:- في ب: وذلك أن.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

ثم قال : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق . ومعنى الآية : أنه أوجد الخلائق من العدم ، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا ؟ كما قال : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } [ البقرة : 28 ] فسمى الحال الأول - وهو العدم - موتًا ، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا خُلَيْد ، عن قتادة في قوله : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " .

ورواه مَعْمَر ، عن قتادة{[29105]} .

وقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } أي : خير عملا ، كما قال محمد بن عَجْلان : ولم يقل أكثر عملا .

ثم قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } أي : هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب ، بعدما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا ، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .


[29105]:- (1) ورواه الطبري في تفسيره (29/2) من طريق معمر، عن قتادة، ومن طريق سعيد، عن قتادة به مرسلاً.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

وقوله : الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ ، فأمات من شاء وما شاء ، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم ، لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً ، يقول : ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع ، وإلى طلب رضاه أسرع .

وقد حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ قال : أذلّ الله ابن آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء ، وجعل الاَخرة دار جزاء وبقاء .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوكُمُ ، ذكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ اللّهَ أذَلّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ » .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ ، يقول : وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه ، وخالف أمره ، الغَفُورُ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ} (2)

الذي خلق الموت والحياة ، قدرهما أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره ، وقدم الموت لقوله :( وكنتم أمواتا فأحياكم ) ، ولأنه أدعى إلى حسن العمل ، ليبلوكم ليعاملكم المختبر بالتكليف أيها المكلفون ، أيكم أحسن عملا ، أصوبه وأخلصه ، وجاء مرفوعا ، أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته ، جملة واقعة موقع المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم . وليس هذا من باب التعليق ، لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا لما يعلق الفعل عنها ، بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين . وهو العزيز ، الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل ، الغفور لمن تاب منهم .