{ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } وهذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين إلى يوم القيامة ، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } أي : غنيمة خيبر أي : فلا تحسبوها وحدها ، بل ثم شيء كثير من الغنائم سيتبعها ، { و } احمدوا الله إذ { كف أَيْدِي النَّاسِ } القادرين على قتالكم ، الحريصين عليه { عَنْكُمْ } فهي نعمة ، وتخفيف عنكم .
{ وَلِتَكُونَ } هذه الغنيمة { آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } يستدلون بها على خبر الله الصادق ، ووعده الحق ، وثوابه للمؤمنين ، وأن الذي قدرها سيقدر غيرها ، { وَيَهْدِيَكُمْ } بما يقيض لكم من الأسباب { صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } من العلم والإيمان والعمل .
قال مجاهد في قوله : { وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } : هي جميع المغانم إلى اليوم ، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } يعني : فتح خيبر .
وروى العوفي عن ابن عباس : { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ } يعني : صلح الحديبية .
{ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ } أي : لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال . وكذلك كف أيدي الناس [ عنكم ]{[26861]} الذين خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم ، { وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : يعتبرون بذلك ، فإن الله حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء ، مع قلة عددهم ، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العليم بعواقب الأمور ، وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ، كما قال : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [ البقرة : 216 ] .
{ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } أي : بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته ، وموافقتكم رسوله {[26862]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجّلَ لَكُمْ هََذِهِ وَكَفّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَأُخْرَىَ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ بِهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيراً } .
يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وَعَدَكُمُ اللّهُ أيها القوم مَغانِمَ كَثِيرَةً تأْخُذُونَها .
اختلف أهل التأويل في هذه المغانم التي ذكر الله أنه وعدها هؤلاء القوم أيّ المغانم هي ، فقال بعضهم : هي كل مغنم غنمها الله المؤمنين به من أموال أهل الشرك من لدن أنزل هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثيرَةً تَأْخُذُونَها قال : المغانم الكثيرة التي وعدوا : ما يأخذونها إلى اليوم .
وعلى هذا التأويل يحتمل الكلام أن يكون مرادا بالمغانم الثانية المغانمَ الأولى ، ويكون معناه عند ذلك ، فأثابهم فتحا قريبا ، ومغانم كثيرة يأخذونها ، وعدكم الله أيها القوم هذه المغانم التي تأخذونها ، وأنتم إليها واصلون عدة ، فجعل لكم الفتح القريب من فتح خيبر . ويُحتمل أن تكون الثانية غير الأولى ، وتكون الأولى من غنائم خيبر ، والغنائم الثانية التي وعدهموها من غنائم سائر أهل الشرك سواهم .
وقال آخرون : هذه المغانم التي وعد الله هؤلاء القوم هي مغانم خيبر . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها قال : يوم خيبر ، قال : كان أبي يقول ذلك .
وقوله : فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ اختلف أهل التأويل في التي عجلت لهم ، فقال جماعة : غنائم خيبر والمؤخرة سائر فتوح المسلمين بعد ذلك الوقت إلى قيام الساعة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ قال : عجل لكم خيبر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ وهي خيبر .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ قال : الصلح .
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ما قاله مجاهد ، وهو أن الذي أثابهم الله من مسيرهم ذلك مع الفتح القريب المغانم الكثيرة من مغانم خيبر ، وذلك أن المسلمين لم يغنموا بعد الحديبية غنيمة ، ولم يفتحوا فتحا أقرب من بيعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية إليها من فتح خيبر وغنائمها .
وأما قوله : وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً فهي سائر المغانم التي غنمهموها الله بعد خيبر ، كغنائم هوازن ، وغطفان ، وفارس ، والروم .
وإنما قلنا ذلك كذلك دون غنائم خيبر ، لأن الله أخبر أنه عجّل لهم هذه التي أثابهم من مسيرهم الذي ساروه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ولما علم من صحة نيتهم في قتال أهلها ، إذ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفرّوا عنه ، ولا شكّ أن التي عجّلت لهم غير التي لم تُعجّل لهم .
وقوله : وكَفّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ يقول تعالى ذكره لأهل بيعة الرضوان : وكفّ الله أيدي المشركين عنكم .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين كفّت أيديهم عنهم من هم ؟ فقال بعضهم : هم اليهود كفّ الله أيديهم عن عيال الذين ساروا من المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكَفّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ : عن بيوتهم ، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر ، وكانت خيبر في ذلك الوجه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وكَفّ أيْدِي النّاس عَنْكُمْ قال : كفّ أيدي الناس عن عيالهم بالمدينة .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أيدي قريش إذ حبسهم الله عنهم ، فلم يقدروا له على مكروه .
والذي قاله قتادة في ذلك عندي أشبه بتأويل الآية ، وذلك أن كفّ الله أيدي المشركين من أهل مكة عن أهل الحُديبية قد ذكره الله بعد هذه الآية في قوله : وَهُوَ الّذِي كَفّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وأيْدِيَكُم عَنْهُمْ بِبَطْن مَكّةَ فعلم بذلك أن الكفّ الذي ذكره الله تعالى في قوله : وكَفّ أيْدِيِ النّاسِ عَنْكُمْ غير الكفّ الذي ذكر الله بعد هذه الآية في قوله : وَهُوَ الّذِي كَفّ أيْدِيَهُم عَنْكُمْ ، وأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْن مَكّةَ .
وقوله : وَلِتَكُونَ آيَةً للْمُؤْمِنِينَ يقول : وليكون كفه تعالى ذكره أيديهم عن عيالهم آية وعبرة للمؤمنين به فيعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وكلاءتهم في مشهدهم ومغيبهم ، ويتقوا الله في أنفسهم وأموالهم وأهليهم بالحفظ وحُسن الولاية ما كانوا مقيمين على طاعته ، منتهين إلى أمره ونهيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ يقول : وذلك آية للمؤمنين ، كفّ أيدي الناس عن عيالهم ويَهْدِيَكُمْ صِرَاطا مُسْتَقِيما يقول : ويسدّدكم أيها المؤمنون طريقا واضحا لا اعوجاج فيه ، فيبينه لكم ، وهو أن تثقوا في أموركم كلها بربكم ، فتتوكلوا عليه في جميعها ، ليحوطكم حياطته إياكم في مسيركم إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسكم وأهليكم وأموالكم ، فقد رأيتم أثر فعل الله بكم ، إذ وثقتم في مسيركم هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.