{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه ، وتمام خبرته وكمال قدرته ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطف في علمه وخبرته ، حتى اطلع على البواطن والأسرار ، وخفايا القفار والبحار .
والمقصود من هذا ، الحث على مراقبة اللّه ، والعمل بطاعته ، مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح ، قَلَّ أو كَثُرَ .
هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم ؛ ليمتثلها الناس ويقتدوا بها ، فقال : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } أي : إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة [ من ] {[22959]} خردل . وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله : { إِنَّهَا } ضمير الشأن والقصة . وجوز على هذا رفع { مِثْقَالَ } والأول أولى .
وقوله : { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } أي : أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر . كما قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] ، وقال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ، 8 ] ، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صَمَّاء ، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات أو الأرض{[22960]} فإن الله يأتي بها ؛ لأنه لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطيف العلم ، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت { خَبِيرٌ } بدبيب النمل في الليل البهيم .
وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أنها صخرة تحت الأرضين{[22961]} السبع ، ذكره السُّدِّي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك ، ويروى هذا عن عطية العوفي ، وأبي مالك ، والثوري ، والمِنهال بن عمرو ، وغيرهم . وهذا والله أعلم ، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ، ولا تكذب ، والظاهر - والله أعلم - أن المراد : أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة ، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه ، كما قال{[22962]} الإمام أحمد :
حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمَّاء ، ليس لها باب ولا كوَّة ، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان " {[22963]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.