تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

كان الطلاق في الجاهلية ، واستمر أول الإسلام ، يطلق الرجل زوجته بلا نهاية ، فكان إذا أراد مضارتها ، طلقها ، فإذا شارفت انقضاء عدتها ، راجعها ، ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا ، فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم ، فأخبر تعالى أن { الطَّلَاقَ } أي : الذي تحصل به الرجعة { مَرَّتَانِ } ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها ، ويراجع رأيه في هذه المدة ، وأما ما فوقها ، فليس محلا لذلك ، لأن من زاد على الثنتين ، فإما متجرئ على المحرم ، أو ليس له رغبة في إمساكها ، بل قصده المضارة ، فلهذا أمر تعالى الزوج ، أن يمسك زوجته { بِمَعْرُوفٍ } أي : عشرة حسنة ، ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم ، وهذا هو الأرجح ، وإلا يسرحها ويفارقها { بِإِحْسَانٍ } ومن الإحسان ، أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها ، لأنه ظلم ، وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء ، فلهذا قال : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وهي المخالعة بالمعروف ، بأن كرهت الزوجة زوجها ، لخلقه أو خلقه أو نقص دينه ، وخافت أن لا تطيع الله فيه ، { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة ، وفي هذا مشروعية الخلع ، إذا وجدت هذه الحكمة .

{ تِلْكَ } أي ما تقدم من الأحكام الشرعية { حُدُودُ اللَّهِ } أي : أحكامه التي شرعها لكم ، وأمر بالوقوف معها ، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال ، وتعدى منه إلى الحرام ، فلم يسعه ما أحل الله ؟

والظلم ثلاثة أقسام :

ظلم العبد فيما بينه وبين الله ، وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك ، وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق ، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة ، وحقوق العباد ، لا يترك الله منها شيئا ، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك ، تحت المشيئة والحكمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

221

والحكم التالي يختص بعدد الطلقات ، وحق المطلقة في تملك الصداق ، وحرمة استرداد شيء منه عند الطلاق ، إلا في حالة واحدة : حالة المرأة الكارهة التي تخشى أن ترتكب معصية لو بقيت مقيدة بهذا الزواج المكروه . وهي حالة الخلع التي تشتري فيها المرأة حريتها بفدية تدفعها :

( الطلاق مرتان . فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان . ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا . إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به . تلك حدود الله فلا تعتدوها . ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) . .

الطلاق الذي يجوز بعده استئناف الحياة مرتان . فإذا تجاوزهما المتجاوز لم يكن إلى العودة من سبيل إلا بشرط تنص عليه الآية التالية في السياق . وهو أن تنكح زوجا غيره ، ثم يطلقها الزوج الآخر طلاقا طبيعيا لسبب من الأسباب ، ولا يراجعها فتبين منه . . وعندئذ فقط يجوز لزوجها الأول أن ينكحها من جديد ، إذا ارتضته زوجا من جديد .

وقد ورد في سبب نزول هذا القيد ، أنه في أول العهد بالإسلام كان الطلاق غير محدد بعدد من المرات . فكان للرجل أن يراجع مطلقته في عدتها ، ثم يطلقها ويراجعها . هكذا ما شاء . . ثم إن رجلا من الأنصار اختلف مع زوجته فوجد عليها في نفسه ، فقال : والله لا آويك ولا أفارقك . قالت : وكيف ذلك ؟ قال : أطلقك ، فإذا دنا أجلك راجعتك . فذكرت ذلك للرسول [ ص ] فأنزل الله عز وجل : ( الطلاق مرتان ) . .

وحكمة المنهج الرباني الذي أخذ به الجماعة المسلمة مطردة في تنزيل الأحكام عند بروز الحاجة إليها . . حتى استوفى المنهج أصوله كلها على هذا النحو . ولم يبق إلا التفريعات التي تلاحق الحالات الطارئة ، وتنشىء حلولا مستمدة من تلك الأصول الشاملة .

وهذا التقييد جعل الطلاق محصورا مقيدا ؛ لا سبيل إلى العبث باستخدامه طويلا . فإذا وقعت الطلقة الأولى كان للزوج في فترة العدة أن يراجع زوجه بدون حاجة إلى أي إجراء آخر . فأما إذا ترك العدة تمضي فإنها تبين منه ؛ ولا يملك ردها إلا بعقد ومهر جديدين . فإذا هو راجعها في العدة أو إذا هو أعاد زواجها في حالة البينونة الصغرى كانت له عليها طلقة أخرى كالطلقة الأولى بجميع أحكامها . فأما إذا طلقها الثالثة فقد بانت منه بينونة كبرى بمجرد إيقاعها فلا رجعة فيها في عدة ، ولا عودة بعدها إلا أن ينكحها زوجا آخر . ثميقع لسبب طبيعي أن يطلقها . فتبين منه لأنه لم يراجعها . أو لأنه استوفى عليها عدد مرات الطلاق . فحينئذ فقط يمكن أن تعود إلى زوجها الأول .

إن الطلقة الأولى محك وتجربة كما بينا . فأما الثانية فهي تجربة أخرى وامتحان أخير . فإن صلحت الحياة بعدها فذاك . وإلا فالطلقة الثالثة دليل على فساد أصيل في حياة الزوجية لا تصلح معه حياة .

وعلى أية حال فما يجوز أن يكون الطلاق إلا علاجا أخيرا لعلة لا يجدي فيها سواه . فإذا وقعت الطلقتان : فإما إمساك للزوجة بالمعروف ، واستئناف حياة رضية رخية ؛ وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء . وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط في الحياة جديد . . وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية ؛ ولا يستنكرها حيث لا يجدي الاستنكار ، ولا يعيد خلق بني الإنسان على نحو آخر غير الذي فطرهم الله عليه . ولا يهملها كذلك حيث لا يجدي الإهمال !

ولا يحل للرجل أن يسترد شيئا من صداق أو نفقة أنفقها في أثناء الحياة الزوجية في مقابل تسريح المرأة إذا لم تصلح حياته معها . ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية ؛ وتحس أن كراهيتها له ، أو نفورها منه ، سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة ، أو العفة ، أو الأدب . فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه ؛ وأن تعوضه عن تحطيم عشه بلا سبب متعمد منه ؛ برد الصداق الذي أمهرها إياه ، أو بنفقاته عليها كلها أو بعضها لتعصم نفسها من معصية الله وتعدي حدوده ، وظلم نفسها وغيرها في هذه الحال . وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس ؛ ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها ؛ ولا يقسر الزوجة على حياة تنفر منها ؛ وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه .

ولكي نتصور حيوية هذا النص ومداه ، يحسن أن نراجع سابقة واقعية من تطبيقه على عهد رسول الله [ ص ] تكشف عن مدى الجد والتقدير والقصد والعدل في هذا المنهج الرباني القويم .

روى الإمام مالك في كتابه : الموطأ . . أن حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس . وأن رسول الله [ ص ] خرج في الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس . فقال رسول الله [ ص ] : " من هذه ؟ " قالت : أنا حبيبة بنت سهل ! فقال : " ما شأنك ؟ " فقالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله [ ص ] : " هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر " . . فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله [ ص ] : " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها .

وروى البخاري - بإسناده - عن ابن عباس رضي الله عنهما - أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي [ ص ] فقالت : يا رسول الله . ما اعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكن أكره الكفر في الإسلام . فقال رسول الله [ ص ] : " أتردين عليه حديقته ؟ " [ وكان قد أمهرها حديقة ] قالت : نعم . قال رسول الله [ ص ] : " أقبل الحديقة وطلقها تطليقة " . .

وفي رواية أكثر تفصيلا رواها ابن جرير بإسناد - عن أبي جرير أنه سأل عكرمة : هل كان للخلع أصل ؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي . إنها أتت رسول الله [ ص ] فقالت : يا رسول الله ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا . إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . فقال زوجها : يا رسول اللهإني قد أعطيتها أفضل مالي : حديقة لي . فإن ردت علي حديقتي . قال : ما تقولين ؟ قالت : نعم وإن شاء زدته . قال : ففرق بينهما . .

ومجموعة هذه الروايات تصور الحالة النفسية التي قبلها رسول الله [ ص ] وواجهها مواجهة من يدرك أنها حالة قاهرة لا جدوى من استنكارها وقسر المرأة على العشرة ؛ وأن لا خير في عشرة هذه المشاعر تسودها . فاختار لها الحل من المنهج الرباني الذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية ؛ ويعامل النفس الإنسانية معاملة المدرك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقية .

ولما كان مرد الجد أو العبث ، والصدق أو الاحتيال ، في هذه الأحوال . . هو تقوى الله ، وخوف عقابه . جاء التعقيب يحذر من اعتداء حدود الله :

( تلك حدود الله فلا تعتدوها . ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) . .

ونقف هنا وقفة عابرة أمام اختلاف لطيف في تعبيرين قرآنيين في معنى واحد ، حسب اختلاف الملابستين :

في مناسبة سبقت في هذه السورة عند الحديث عن الصوم . ورد تعقيب : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) . . وهنا في هذه المناسبة ورد تعقيب : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) . .

في الأولى تحذير من القرب . وفي الثانية تحذير من الاعتداء . . فلماذا كان الاختلاف ؟

في المناسبة الأولى كان الحديث عن محظورات مشتهاة :

( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم . . هن لباس لكم وأنتم لباس لهن . . علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ، فتاب عليكم وعفا عنكم ، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم . وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . ثم أتموا الصيام إلى الليل ، ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد . . تلك حدود الله فلا تقربوها ) . .

والمحظورات المشتهاة شديدة الجاذبية . فمن الخير أن يكون التحذير من مجرد الاقتراب من حدود الله فيها ، اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها إذا اقترب الإنسان من مجالها ووقع في نطاق حبائلها !

أما هنا فالمجال مجال مكروهات واصطدامات وخلافات . فالخشية هنا هي الخشية من تعدي الحدود في دفعة من دفعات الخلاف ؛ وتجاوزها وعدم الوقوف عندها . فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة . بسبب اختلاف المناسبة . . وهي دقة في التعبير عن المقتضيات المختلفة عجيبة !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطلاق مرتان } أي التطليق الرجعي اثنان لما روي ( أنه صلى الله عليه وسلم سئل أين ؟ الثالثة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : { أو تسريح بإحسان } . وقيل ؛ معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق ، ولذلك قالت الحنفية الجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة . { فإمساك بمعروف } بالمراجعة وحسن المعاشرة ، وهو يؤيد المعنى الأول . { أو تسريح بإحسان } بالطلقة الثالثة ، أو بأن لا يراجعها حتى تبين ، وعلى المعنى الأخير حكم مبتدأ وتخيير مطلق عقب به تعليمهم كيفية التطليق . { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } أي من الصدقات . روي ( أن جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس فأتت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقالت : لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، والله ما أعيبه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ، وما أطيقه بغضا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في جماعة من الرجال ، فإذا هو أشدهم وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . فنزلت فاختلعت منه بحديقة كان أصدقها إياها . والخطاب مع الحكام وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بهما عند الترافع . وقيل إنه خطاب للأزواج وما بعده خطاب للحكام وهو يشوش النظم على القراءة المشهورة . { إلا أن يخافا } أي الزوجان . وقرئ { يظنا } وهو يؤيد تفسير الخوف بالظن . { أن لا يقيما حدود الله } يترك إقامة أحكامه من مواجب الزوجية . وقرأ حمزة ويعقوب { يخافا } على البناء للمفعول وإبدال أن بصلته من الضمير بدل الاشتمال . وقرئ " تخافا " و " تقيما " بتاء الخطاب . { فإن خفتم } أيها الحكام . { أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } على الرجل في أخذ ما افتدت به نفسها واختلعت ، وعلى المرأة في إعطائه . { تلك حدود الله } إشارة إلى ما حد من الأحكام . { فلا تعتدوها } فلا تتعدوها بالمخالفة . { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } تعقيب للنهي بالوعيد مبالغة في التهديد ، وأعلم أن ظاهر الآية يدل على أن الخلع لا يجوز من غير كراهة وشقاق ، ولا بجميع ما ساق الزوج إليها فضلا عن الزائد ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة " وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لجميلة : " أتردين عليه حديقته ؟ فقالت : أردها وأزيد عليها ، فقال عليه الصلاة والسلام أما الزائد فلا " . والجمهور استكرهوه ولكن نفذوه فإن المنع عن العقد لا يدل على فساده ، وأنه يصح بلفظ المفاداة ، فإنه تعالى سماه افتداء . واختلف في أنه إذا جرى بغير لفظ الطلاق هل هو فسخ أو طلاق ، ومن جعله فسخا احتج بقوله :

{ فإن طلقها } فإن تعقيبه للخلع بعد ذكر الطلقتين يقتضي أن يكون طلقة رابعة لو كان الخلع طلاقا . والأظهر أنه طلاق لأنه فرقة باختيار الزوج فهو كالطلاق بالعوض ، وقوله فإن طلقها متعلق بقوله : { الطلاق مرتان } أو تفسير لقوله : { أو تسريح بإحسان } اعترض بينهما ذكر الخلع دلالة على أن الطلاق يقع مجانا تارة وبعوض أخرى ، والمعنى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

استئناف لذكر غاية الطلاق الذي يملكه الزوج من امرأته ، نشأ عن قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً } [ البقرة : 228 ] وعن بعض ما يشير إليه قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } [ البقرة : 228 ] فإن الله تعالى أعلن أن للنساء حقاً كحق الرجال ، وجعل للرجال درجة زائدة : منها أن لهم حق الطلاق ، ولهم حق الرجعة لقوله : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة : 228 ] ولما كان أمر العرب في الجاهلية جارياً على عدم تحديد نهاية الطلاق ، كما سيأتي قريباً ، ناسب أن يذكر عقب ذلك كله حكم تحديد الطلاق ، إفادة للتشريع في هذا الباب ودفعاً لما قد يعلق أو علق بالأوهام في شأنه .

روى مالك في جامع الطلاق من « الموطأ » : « عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألفَ مرة فعمَد رجلٌ إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك ولا تحلين أبداً فأنزل الله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذٍ من كان طلق منهم أو لم يطلق » .

وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس قريباً منه . ورواه الحاكم في « مستدركه » إلى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس فقال : والله لا تركتك لا أَيماً ولا ذات زوج فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مراراً فأنزل الله تعالى : { الطلاق مرتان } ، وفي ذلك روايات كثيرة تقارب هذه ، وفي « سنن أبي داود » : باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث وأخرج حديث ابن عباس أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ونزل { الطلاق مرتان } ، فالآية على هذا إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية ، وتحديد لحقوق البعولة في المراجعة .

والتعريف في قوله ( الطلاق ) تعريف الجنس على ما هو المتبادر في تعريف المصادر وفي مساق التشريع ، فإن التشريع يقصد بيان الحقائق الشرعية ، نحو قوله : { وأحل الله البيع } [ البقرة : 275 ] وقوله : { وإن عزموا الطلاق } [ البقرة : 227 ] وهذا التعريف هو الذي أشار صاحب « الكشاف » إلى اختياره ، فالمقصود هنا الطلاق الرجعي الذي سبق الكلام عليه آنفاً في قوله : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة : 228 ] فإنه الطلاق الأصلي ، وليس في أصل الشريعة طلاق بائن غير قابل للمراجعة لذاته ، إلاّ الطلقة الواقعة ثالثة ، بعد سبق طلقتين قبلها فإنها مبينة بعدُ وأما ما عداها من الطلاق البائن الثابت بالسنة ، فبينونته لحق عارض كحق الزوجة فيما تعطيه من مالها في الخلع ، ومثل الحق الشرعي في تطليق اللعان ، لمظنة انتفاء حسن المعاشرة بعد أن تَلاعنا ، ومثل حق المرأة في حكم الحاكم لها بالطلاق للإضرار بها ، وحُذف وصف الطلاق ، لأن السياق دال عليه ، فصار التقدير : الطلاق الرجعي مرتان .

وقد أخبر عن الطلاق بأنه مرتان ، فعلم أن التقدير : حق الزوج في إيقاع التطليق الرجعي مرتان ، فأما الطلقة الثالثة فليست برجعيّة . وقد دل على هذا قوله تعالى بعد ذِكر المرتين : { فإمساك بمعروف } وقوله بعدهُ : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } [ البقرة : 230 ] الآية وقد روي مثل هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم روي أبو بكر بن أبي شيبة : " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت قول الله تعالى : { الطلاق مرتان } فأين الثالثة فقال رسول الله عليه السلام : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وسؤال الرجل عن الثالثة ، يقتضي أن نهاية الثلاث كانت حكماً معروفاً إِما من السنة وإِما من بقية الآية ، وإنما سأل عن وجه قوله ( مرتان ) ولما كان المراد بيان حكم جنس الطلاق ، باعتبار حصوله من فاعله ، وهو إنما يحصل من الأزواج كان لفظ الطلاق آيلاً إلى معنى التطليق ، كما يؤول السلام إلى معنى التسليم .

وقوله { مرتان } ، تثنية مرة ، والمرة في كلامهم الفعلة الواحدة من موصوفها أو مضافها ، فهي لا تقع إلا جارية على حدث ، بوصف ونحوه ، أو بإضافة ونحوها ، وتقع مفردة ، ومثناة ، ومجموعة ، فتدل على عدم تكرر الفعل ، أو تكرر فعله تكرراً واحداً ، أو تكرره تكرراً متعدداً ، قال تعالى : { سنعذبهم مرتين } [ التوبة : 101 ] وتقول العرب « نهيتك غير مرة فلم تنته » أي مراراً ، وليس لفظ المرة بمعنى الواحدة من الأشياء الأعيان ، ألا ترى أنك تقول : أعطيتك درهماً مرتين ، إذا أعطيته درهماً ثم درهما ، فلا يفهم أنك أعطيته درهمين مقترنين ، بخلاف قولك أعطيتك درهمين .

فقوله تعالى : { الطلاق مرتان } يفيد أن الطلاق الرجعي شرع فيه حق التكرير إلى حد مرتين ، مرة عقب مرة أخرى لا غير ، فلا يتوهم منه في فهم أهل اللسان أن المراد : الطلاق لا يقع إلا طلقتين مقترنتين لا أكثر ولا أقل ، ومن توهم ذلك فاحتاج إلى تأويل لدفعه فقد أبعد عن مجاري الاستعمال العربي ، ولقد أكثر جماعة من متعاطي التفسير الاحتمالات في هذه الآية والتفريع عليها ، مدفوعين بأفهام مولدة ، ثم طبقوها على طرائق جدلية في الاحتجاج لاختلاف المذاهب في إثبات الطلاق البدعي أو نفيه ، وهم في إرخائهم طِوَل القول ناكبون عن معاني الاستعمال ، ومن المحققين من لم يفته المعنى ولم تف به عبارته كما وقع في « الكشاف » .

ويجوز أن يكون تعريف الطلاق تعريف العهد ، والمعهود هو ما يستفاد من قوله تعالى : { والمطلقات يتربصن } إلى قوله { وبعولتهن أحق بردهن } [ البقرة : 228 ] فيكون كالعهد في تعريف الذَّكَر في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } [ آل عمران : 36 ] فإنه معهود مما استفيد من قوله : { إني نذرت لك ما في بطني } [ آل عمران : 35 ] .

وقوله : { فإمساك بمعروفٍ } جملة مفرعة على جملة { الطلاق مرتان } فيكون الفاء للتعقيب في مجرد الذكر ، لا في وجود الحكم . و ( إمساك ) خبر مبتدأ محذوف تقديره فالشأن أو فالأمر إمساك بمعروف أو تسريح على طريقة { فصبر جميل } [ يوسف : 18 ] وإذ قد كان الإمساك والتسريح ممكنين عند كل مرة من مرتي الطلاق ، كان المعنى فإمساك أو تسريح في كل مرة من المرتين ، أي شأن الطلاق أن تكون كل مرة منه معقبة بإرجاع بمعروف أو ترك بإحسان ، أي دون ضرار في كلتا الحالتين . وعليه فإمساك وتسريح مصدران ، مراد منهما الحقيقة والاسم ، دون إرادة نيابة عن الفعل ، والمعنى أن المطلق على رأس أمره فإن كان راغباً في امرأته فشأنه إمساكها أي مراجعتها ، وإن لم يكن راغباً فيها فشأنه ترك مراجعتها فتسرح ، والمقصود من هذه الجملة إدماج الوصاية بالإحسان في حال المراجعة ، وفي حال تركها ، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء ، إبطالاً لأفعال أهل الجاهلية ؛ إذ كانوا قد يراجعون المرأة بعد الطلاق ثم يطلقونها دَوَالَيْك ، لتبقى زمناً طويلاً في حالة ترك إضراراً بها ، إذ لم يكن الطلاق عندهم منتهياً إلى عدد لا يملك بعده المراجعة ، وفي هذا تمهيد لما يرد بعده من قوله : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً } الآية .

ويجوز أن يكون إمساك وتسريح مصدرين جعلا بدلين من فعليهما ، على طريقة المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعله ، وأصلهما النصب ، ثم عدل عن النصب إلى الرفع لإفادة معنى الدوام ، كما عدل عن النصب إلى الرفع في قوله تعالى : { قال سلامٌ } [ هود : 69 ] وقد مضى أول سورة الفاتحة ، فيكون مفيداً معنى الأمر بالنيابة عن فعله ، ومفيداً الدوام بإيراد المصدرين مرفوعين ، والتقدير فأمسكوا أو سرحوا . فتبين أن الطلاق حدد بمرتين ، قابلة كل منهما للإمساك بعدها ، والتسريح بإحسان توسعة على الناس ليرتأوا بعد الطلاق ما يليق بحالهم وحال نسائهم ، فلعلهم تعرض لهم ندامة بعد ذوق الفراق ويحسوا ما قد يغفلون عن عواقبه حين إنشاء الطلاق ، عن غضب أو عن ملالة ، كما قال تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } [ الطلاق : 1 ] وقوله : { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزواً } [ البقرة : 231 ] وليس ذلك ليتخذوه ذريعة للإضرار بالنساء كما كانوا يفعلون قبل الإسلام .

وقد ظهر من هذا أن المقصود من الجملة هو الإمساك أو التسريح المطْلَقين وأما تقييد الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، فهو إدماج لوصية أخرى في كلتا الحالتين ، إدماجاً للإرشاد في أثناء التشريع .

وقدم الإمساك على التسريح إيماء إلى أنه الأهم ، المرغب فيه في نظر الشرع . والإمساك حقيقته قبض اليد على شيء مخافة أن يسقط أو يتفلت ، وهو هنا استعارة لدوام المعاشرة .

والتسريح ضد الإمساك في معنييه الحقيقي والمجازي ، وهو مستعار هنا لإبطال سبب المعاشرة بعد الطلاق ، وهو سبب الرجعة ثم استعارة ذلك الإبطال للمفارقة فهو مجاز بمرتبتين .

والمعروف هنا هو ما عرفه الناس في معاملاتهم من الحقوق التي قررها الإسلام أو قررتها العادات التي لا تنافي أحكام الإسلام . وهو يناسب الإمساك لأنه يشتمل على أحكام العصمة كلها من إحسان معاشرة ، وغير ذلك ، فهو أعم من الإحسان . وأما التسريح فهو فراق ومعروفه منحصر في الإحسان إلى المفارقة بالقول الحسن والبذل بالمتعة ، كما قال تعالى : { فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً } [ الأحزاب : 49 ] وقد كان الأزواج يظلمون المطلقات ويمنعونهن من حليهن ورياشهن ، ويكثرون الطعن فيهن قال ابن عرفة في « تفسيره » : « فإن قلت هلا قيل فإمساك بإحسان أو تسريح بمعروف قلت عادتهم يجيبون بأن المعروف أخف من الإحسان إذ المعروف حسن العشرة وإعطاء حقوق الزوجية ، والإحسان ألا يظلمها من حقها فيقتضي الإعطاء وبذل المال أشق على النفوس من حسن المعاشرة فجعل المعروف مع الإمساك المقتضي دوام العصمة ، إذ لا يضر تكرره وجعل الإحسان الشاق مع التسريح الذي لا يتكرر » .

وقد أخذ قوم من الآية منع الجمع بين الطلاق الثلاث في كلمة ، بناء على أن المقصود من قوله { مرتان } التفريق وسنذكر ذلك عند قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } [ البقرة : 230 ] الآية .

{ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ } .

يجوز أن تكون الواو اعتراضية ، فهو اعتراض بين المتعاطفين ، وهما قوله : { فإمساك } وقوله { فإن طلقها } ويجوز أن تكون معطوفة على { أو تسريح بإحسان } لأن من إحسان التسريح ألا يأخذ المسرح وهو المطلق عوضاً عن الطلاق ، وهذه مناسبة مجىء هذا الاعتراض ، وهو تفنن بديع في جمع التشريعات والخطاب للأمة ، ليأخذ منه كل أفرادها ما يختص به ، فالزوج يقف عن أخذ المال ، وولي الأمر يحكم بعدم لزومه ، وولي الزوجة أو كبير قبيلة الزوج يسعى ويأمر وينهى ( وقد كان شأن العرب أن يلي هذه الأمور ذوو الرأي من قرابة الجانبين ) وبقية الأمة تأمر بالامتثال لذلك ، وهذا شأن خطابات القرآن في التشريع كقوله : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } إلى قوله : { وارزقوهم فيها } [ النساء : 5 ] وإليه أشار صاحب « الكشاف » .

وقال ابن عطية والقرطبي وصاحب « الكشاف » : الخطاب في قوله : { ولا يحل لكم } للأزواج بقرينة قوله { أن تأخذوا } وقوله : { أتيتموهن } والخطاب في قوله : { فإن خفتم ألا تقيما حدود الله } للحكام ، لأنه لو كان للأزواج لقيل : فإن خفتم ألا تقيموا أو ألا تقيما ، قال في « الكشاف » : « ونحو ذلك غير عزيز في القرآن » اه يعني لظهور مرجع كل ضمير من قرائن المقام ونظره في « الكشاف » بقوله تعالى في سورة الصف ( 13 )

{ وبشر المؤمنين } على رأي صاحب >>الكشاف> شرح الحماسة