تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

{ 13-14 } { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

وهذا إخبار عن كمال عدله أن كل إنسان يلزمه طائره في عنقه ، أي : ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازما له لا يتعداه إلى غيره ، فلا يحاسب بعمل غيره ولا يحاسب غيره بعمله .

{ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } فيه ما عمله من الخير والشر حاضرا صغيره وكبيره ويقال له : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) .

وطائر كل إنسان ما يطير له من عمله ، أي ما يقسم له من العمل ، وهو كناية عما يعمله . وإلزامه له في عنقه تصوير للزومه إياه وعدم مفارقته ؛ على طريقة القرآن في تجسيم المعاني وإبرازها في صورة حسية . فعمله لا يتخلف عنه وهو لا يملك التملص منه . وكذلك التعبير بإخراج كتابه منشورا يوم القيامة . فهو يصور عمله مكشوفا ، لا يملك إخفاؤه ، أو تجاهله أو المغالطة فيه . ويتجسم هذا المعنى في صورة الكتاب المنشور ، فإذا هو أعمق أثرا في النفس وأشد تأثيرا في الحس ؛ وإذا الخيال البشري يلاحق ذلك الطائر ويلحظ هذا الكتاب في فزع الطائر من اليوم العصيب ، الذي تتكشف فيه الخبايا والأسرار ،

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

{ وكل إنسان ألزمناه طائره } عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر ، لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوح الطائر وبروحه ، استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى وعمل العبد . { في عُنقه } لزوم الطوق في عنقه . { ونخرج له يوم القيامة كتابا } هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله ، فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس أحوالا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات ، ونصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف ، وهو ضمير الطائر ويعضده قراءة يعقوب ، و " يخرج " من خرج و " يخرج " وقرئ و " يخرج " أي الله عز وجل { يلقاه منشورا } لكشف الغطاء ، وهما صفتان للكتاب ، أو { يلقاه } صفة و{ منشورا } حال من مفعوله . وقرأ ابن عامر " يلقاه " على البناء للمفعول من لقيته كذا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

وقوله { وكل إنسان ألزمناه طائره } الآية ، قوله { كل } منصوب بفعل مقدر ، وقرأ الحسن وأبو رجاء ومجاهد ؛ «طيره في عنقه » ، قال ابن عباس { طائره } ما قدر له وعليه ، وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف ، وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة{[7488]} وكثر ذلك حتى فعلته بالظبا وحيوان الفلاة ، وسميت ذلك كله تطيراً ، وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر ، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية في أوجز لفظ وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر قد سبق به القضاء . وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه ، وروى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا عدوى ولا طيرة » { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } فعبر عن الحظ والعمل إذ هما متلازمان ب «الطائر » ، قال مجاهد وقتادة بحسب معتقد العرب في التطير ، وقولهم في أمور على الطائر الميمون ، وبأسعد طائر ومنه طار في المحاجة والسهم{[7489]} كقول أم العلا الأنصارية فطار لنا من القادمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة عثمان بن مظعون{[7490]} ، أي كان ذلك حظنا ، وأصل هذا كله من الطير التي تقضي عندهم بلقاء الخير والشر وأبطل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة »{[7491]} ، وقوله { في عنقه } جرى أيضاً على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاماً وقلادة وأمانة ونحو هذا إلى العنق كقولهم : دمي في عنق فلان وكقول الأعشى :

والشعر قلدته سلامة ذا . . . فائش والشيء حيثما جعلا{[7492]}

وهذا كثير ، ونحوه جعلهم ما كان تكسباً وجناية وإثماً منسوباً إلى اليد إذ هي الأصل في التكسب ، وقرأ أبو جعفر ونافع والناس «ونخرج » بنون العظمة «كتاباً » بالنصب ، وقرأ الحسن ومجاهد وابن محيصن : و «يخرُج » بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل «كتاباً » أي طائره الذي كني به عن عمله يخرج له ذا كتاب ، وقرأ الحسن من هؤلاء «كتابٌ » بالرفع ، وقرأ أبو جعفر أيضاً «ويُخرَج » بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله ، «كتاباً » أي طائره ، وقرأ أيضاً «كتاباً » وقرأت فرقة «ويُخرِج » بضم الياء وكسر الراء أي يخرج الله ، وفي مصحف أبي بن كعب «في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً » ، وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته{[7493]} ، وقرأ الجمهور «يَلْقاه » بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف ، وقرأ ابن عامر{[7494]} وحده ، «يُلَقّاه » بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وهي قراءة الحسن بخلاف ، وأبي جعفر والجحدري ،


[7488]:السانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك، والبارح: ما أتاك من ذلك عن يسارك.
[7489]:أي في الاقتسام والتخصيص، أو في الاختيار وفي حديث رويفع: إن كان أحدنا ليطير له النصل وللآخر القدح، معناه أن الرجلين كانا يقتسمان السهم، فيقع لأحدهما نصله وللآخر قدحه.
[7490]:حديث أم العلاء أخرجه البخاري في الجنائز والتعبير، وأحمد (6ـ436)، ففي البخاري، عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء – امرأة من الأنصار – بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا.
[7491]:أخرجه البخاري في الطب، ومسلم في السلام، وأبو داود في الطب، وابن ماجه في المقدمة والطب، وأحمد في مواضع كثيرة من مسنده، ولفظه كما في بعض روايات مسلم، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، قال: قيل: وما الفـأل؟ قال: الكلمة الطيبة)، وفي رواية: (وأحب الفأل الصالح).
[7492]:البيت من قصيدة للأعشى يمدح سلامة ذا فائش، ومطلعها: إن محلا وإن مرتحلا وإن في السفر ما مضى مهلا وقبله يقول: يا خير من يركب المطي و لا يشرب كأسا بكف من بخلا. والتفضال: الإحسان، وأن يكون للإنسان فضل على غيره في القدر والمنزلة.
[7493]:قال الطبري: "وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأ: [ونخرج] بالنون وضمها ؛ لأن الخبر جرى قبل ذلك عن الله تعالى أنه الذي ألزم خلقه ما ألزم من ذلك، فالصواب أن يكون الذي يليه خبرا عنه، أنه هو الذي يخرجه لهم يوم القيامة، أن يكون بالنون كما كان الخبر الذي قبله بالنون".
[7494]:أي : قرأ وحده من السبعة، وإلا فقد قرأ بها غيره كالحسن، والجحدري.