تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

{ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا }

لما ذكر معايب أهل الكتاب ، ذكر الممدوحين منهم فقال : { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } أي : الذين ثبت العلم في قلوبهم ورسخ الإيقان في أفئدتهم فأثمر لهم الإيمان التام العام { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ }

وأثمر لهم الأعمال الصالحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذين هما أفضل الأعمال ، وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد . وآمنوا باليوم الآخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد .

{ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } لأنهم جمعوا بين العلم والإيمان والعمل الصالح ، والإيمان بالكتب والرسل السابقة واللاحقة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

148

ولا يترك السياق الموقف مع اليهود ، حتى ينصف القليل المؤمن منهم ؛ ويقرر حسن جزائهم ، وهو يضمهم إلى موكب الإيمان العريق ، ويشهد لهم بالعلم والإيمان ، ويقرر أن الذي هداهم إلى التصديق بالدين كله : ما أنزل إلى الرسول [ ص ] وما أنزل من قبله ، هو الرسوخ في العلم وهو الإيمان :

( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك . والمقيمين الصلاة ، والمؤتون الزكاة ، والمؤمنون بالله واليوم الآخر ، أولئك سنؤتيهم أجرا عظيمًا ) . .

فالعلم الراسخ ، والإيمان المنير ، كلاهما يقود أهله إلى الإيمان بالدين كله . كلاهما يقود إلى توحيد الدين الذي جاء من عند الله الواحد .

وذكر العلم الراسخ بوصفه طريقا إلى المعرفة الصحيحة كالإيمان الذي يفتح القلب للنور ، لفتة من اللفتات القرآنية التي تصور واقع الحال التي كانت يومذاك ؛ كما تصور واقع النفس البشرية في كل حين . فالعلم السطحي كالكفر الجاحد ، هما اللذان يحولان بين القلب وبين المعرفة الصحيحة . . ونحن نشهد هذا في كل زمان . فالذين يتعمقون في العلم ، ويأخذون منه بنصيب حقيقي ، يجدون أنفسهم أمام دلائل الإيمان الكونية ؛ أو على الأقل أمام علامات استفهام كونية كثيرة ، لا يجيب عليها إلا الاعتقاد بأن لهذا الكون إلها واحدا مسيطرا مدبرا متصرفا ، وذا إرادة واحدة ، وضعت ذلك الناموس الواحد . . وكذلك الذين تتشوق قلوبهم للهدى - المؤمنون - يفتح الله عليهم ، وتتصل أرواحهم بالهدى . . أما الذين يتناوشون المعلومات ويحسبون أنفسهم علماء ، فهم الذين تحول قشور العلم بينهم وبين إدراك دلائل الإيمان ، أو لا تبرز لهم - بسبب علمهم الناقص السطحي - علامات الاستفهام . وشأنهم شأن من لا تهفو قلوبهم للهدى ولا تشتاق . . وكلاهما هو الذي لا يجد في نفسه حاجة للبحث عن طمأنينة الإيمان ، أو يجعل التدين عصبية جاهلية فيفرق بين الأديان الصحيحة التي جاءت من عند ديان واحد ، على أيدي موكب واحد متصل من الرسل ، صلوات الله عليهم أجمعين .

وقد ورد في التفسير المأثور أن هذه الإشارة القرآنية تعني - أول من تعني - أولئك النفر من اليهود ، الذين استجابوا للرسول [ ص ] وذكرنا أسماءهم من قبل ، ولكن النص عام ينطبق على كل من يهتدي منهم لهذا الدين ، يقوده العلم الراسخ أو الإيمان البصير . .

ويضم السياق القرآني هؤلاء وهؤلاء إلى موكب المؤمنين ، الذين تعينهم صفاتهم :

( والمقيمين الصلاة ، والمؤتون الزكاة ، والمؤمنون بالله واليوم الآخر ) .

وهي صفات المسلمين التي تميزهم : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والإيمان بالله واليوم الآخر . . وجزاء الجميع ما يقرره الله لهم .

أولئك سنؤتيهم أجرا عظيمًا . .

ونلاحظ أن ( المقيمين الصلاة ) تأخذ إعرابا غير سائر ما عطفت عليه . وقد يكون ذلك لإبراز قيمة إقامة الصلاة في هذا الموضع على معنى - وأخص المقيمين الصلاة - ولها نظائر في الأساليب العربية وفي القرآن الكريم ، لإبراز معنى خاص في السياق له مناسبة خاصة . وهي هكذا في سائر المصاحف وإن كانت قد وردت مرفوعة : والمقيمون الصلاة في مصحف عبدالله بن مسعود .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

{ لكن الراسخون في العلم منهم } كعبد الله بن سلام وأصحابه . { والمؤمنون } أي منهم أو من المهاجرين والأنصار . { يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } خبر المبتدأ { والمقيمين الصلاة } نصب على المدح إن جعل يؤمنون الخبر لأولئك ، أو عطف على ما أنزل إليك والمراد بهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي : يؤمنون بالكتب والأنبياء . وقرئ بالرفع عطفا على { الراسخون } أو على الضمير في { يؤمنون } أو على أنه مبتدأ والخبر { أولئك سنؤتيهم } . { والمؤتون الزكاة } رفعه لأحد الأوجه المذكورة . { والمؤمنون بالله واليوم الآخر } قدم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع لأنه المقصود بالآية . { أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما } على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح وقرأ حمزة { سيؤتيهم } بالياء .