تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ *( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) } .

النجوى هي : التناجي بين اثنين فأكثر ، وقد تكون في الخير ، وتكون في الشر .

فأمر الله تعالى المؤمنين أن يتناجوا بالبر ، وهو اسم جامع لكل خير وطاعة ، وقيام بحق لله ولعباده{[1010]}  والتقوى ، وهي [ هنا ] : اسم جامع لترك جميع المحارم والمآثم ، فالمؤمن يمتثل هذا الأمر الإلهي ، فلا تجده مناجيا ومتحدثا إلا بما يقربه من الله ، ويباعده من سخطه ، والفاجر يتهاون بأمر الله ، ويناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، كالمنافقين الذين هذا دأبهم وحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى { وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ } أي : يسيئون الأدب معك في تحيتهم لك ، { وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ } أي : يسرون في أنفسهم{[1011]}  ما ذكره عالم الغيب والشهادة عنهم ، وهو قولهم : { لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ } ومعنى ذلك أنهم يتهاونون بذلك ، ويستدلون بعدم تعجيل العقوبة عليهم ، أن ما يقولون غير محذور ، قال تعالى في بيان أنه يمهل ولا يهمل : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أي : تكفيهم جهنم التي جمعت كل شقاء وعذاب [ عليهم ] ، تحيط بهم ، ويعذبون بها { فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .


[1010]:- في ب: بحق الله وحق عباده.
[1011]:- في ب: يسرون فيها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

ذلك التقرير العميق لحقيقة حضور الله وشهوده في تلك الصورة المؤثرة المرهوبة تمهد لتهديد المنافقين ، الذين كانوا يتناجون فيما بينهم بالمؤامرات ضد الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وضد الجماعة المسلمة بالمدينة . مع التعجيب من موقفهم المريب :

ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ، ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ، ويقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول ! حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير .

والآية توحي بأن خطة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مع المنافقين في أول الأمر كانت هي النصح لهم بالاستقامة والإخلاص ، ونهيهم عن الدسائس والمؤامرات التي يدبرونها بالاتفاق مع اليهود في المدنية وبوحيهم . وأنهم بعد هذا كانوا يلجون في خطتهم اللئيمة ، وفي دسائسهم الخفية ، وفي التدبير السيء للجماعة المسلمة ، وفي اختيار الطرق والوسائل التي يعصون بها أوامر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويفسدون عليه أمره وأمر المسلمين المخلصين .

كما أنها توحي بأن بعضهم كان يلتوي في صيغة التحية فيحورها إلى معنى سيء خفي : وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله . كأن يقولوا - كما كان اليهود يقولون - السام عليكم . وهم يوهمون أنهم يقولون : السلام عليكم . بمعنى الموت لكم أو بمعنى تسامون في دينكم ! أو أية صيغة أخرى ظاهرها بريء وباطنها لئيم ! وهم يقولون في أنفسهم : لو كان نبيا حقا لعاقبنا الله على قولنا هذا . أي في تحيتهم ، أو في مجالسهم التي يتناجون فيها ويدبرون الدسائس والمؤامرات .

وظاهر من سياق السورة من مطلعها أن الله قد أخبر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بما كانوا يقولونه في أنفسهم ، وبمجالسهم ومؤامراتهم . فقد سبق في السورة إعلان أن الله قد سمع للمرأة المجادلة ؛ وأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم . . الخ . مما يوحي بأنه أطلع رسوله على مؤامرات أولئك المنافقين وهو حاضر مجالسهم ! وبما يقولونه كذلك في أنفسهم .

ثم رد عليهم بقوله تعالى :

( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ) .

وكشف هذه المؤامرات الخفية ، وإفشاء نجواهم التي عادوا إليها بعدما نهوا عنها ، وكذلك فضح ما كانوا بقولونه في أنفسهم : ( لولا يعذبنا الله بما نقول ) . . هذا كله هو تصديق وتطبيق لحقيقة علم الله بما في السماوات وما في الأرض ، وحضوره لكل نجوى ، وشهوده لكل اجتماع . وهو يوقع في نفوس المنافقين أن أمرهم مفضوح ، كما يوحي للمؤمنين بالاطمئنان والوثوق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه } نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عادوا لمثل فعلهم ، { ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول } أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى ، وروي عن يعقوب مثله { وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله } فيقولون السام عليك أو أنعم صباحا والله تعالى يقول : { وسلام على عباده الذين اصطفى } ، ويقولون في أنفسهم فيما بينهم { لولا يعذبنا الله بما نقول }هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبيا ، { حسبهم جهنم }عذابا { يصلونها }يدخلونها { فبئس المصير }جهنم .