تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية ؟

فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال :  { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } أي : عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين .

تم تفسير سورة الفرقان ، فلله الحمد والثناء والشكر أبدا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

63

والآن وقد صور عباد الرحمن . تلك الخلاصة الصافية للبشرية . يختم السورة بهوان البشرية على الله لولا هؤلاء الذين يتطلعون إلى السماء . فأما المكذبون فالعذاب حتم عليهم لزام .

( قل : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) . .

وهو ختام يناسب موضوع السورة كلها ؛ ومساقها للتسرية عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتعزيته عما يلاقي من عناد قومه وجحودهم ، وتطاولهم عليه ، وهم يعرفون مقامه ؛ ولكنهم في سبيل الإبقاء على باطلهم يعاندون ويصرون . . فما قومه ? وما هذه البشرية كلها ، لولا القلة المؤمنة التي تدعو الله . وتتضرع إليه . كما يدعو عباد الرحمن ويتضرعون ?

من هم والأرض التي تضم البشر جميعا إن هي إلا ذرة صغيرة في فضاء الكون الهائل . والبشرية كلها إن هي إلا نوع من أنواع الأحياء الكثيرة على وجه هذه الأرض . والأمة واحدة من أمم هذه الأرض . والجيل الواحد من أمة إن هو إلا صفحة من كتاب ضخم لا يعلم عدد صفحاته إلا الله ?

وإن الإنسان مع ذلك لينتفخ وينتفخ ويحسب نفسه شيئا ؛ ويتطاول ويتطاول حتى ليتطاول على خالقه سبحانه ! وهو هين هين ، ضعيف ضعيف ، قاصر قاصر . إلا أن يتصل بالله فيستمد منه القوة والرشاد ، وعندئذ فقط يكون شيئا في ميزان الله ؛ وقد يرجح ملائكة الرحمن في هذا الميزان . فضلا من الله الذي كرم هذا الإنسان وأسجد له الملائكة ، ليعرفه ويتصل به ويتعبد له ، فيحفظ بذلك خصائصه التي سجدت له معها الملائكة ؛ وإلا فهو لقي ضائع ، لو وضع نوعه كله في الميزان ما رجحت به كفة الميزان !

( قل : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) . . وفي التعبير سند للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وإعزاز : ( قل : ما يعبأ بكم ربي ) . فأنا في جواره وحماه . هو ربي وأنا عبده . فما أنتم بغير الإيمان به ، والانضمام إلى عباده ? إنكم حصب جهنم ( فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ثم قال{[21688]} تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } أي : لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه ؛ فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا .

وقال مجاهد ، وعمرو بن شعيب : { مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } يقول : ما يفعل بكم ربي .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه{[21689]} إلى المؤمنين .

وقوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أي : أيها الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } أي : فسوف يكون تكذيبكم{[21690]} لزامًا لكم ، يعني : مقتضيا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة ، ويدخل في ذلك يوم بدر ، كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم .

وقال الحسن البصري : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } يعني : يوم القيامة . ولا منافاة بينهما . والله أعلم .


[21688]:- في أ : "وقال".
[21689]:- في ف : "حبب".
[21690]:- في أ : "تكذيبهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

وقوله : قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ ربّي يقول جلّ ثناؤه لنبيه : قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلت إليهم : أيّ شيء يَعُدّكم ، وأيّ شيء يصنع بكم ربي ؟ يقال منه : عبأت به أعبأ عبئا ، وعبأت الطيب أعبؤه : إذا هيأته ، كما قال الشاعر :

كأنّ بِنَحْرِهِ وبِمَنْكِبَيْهِ *** عَبِيرا باتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوسُ

يقول : يهيئه ويعمله يعبؤُه عبا وعبوءا ، ومنه قولهم : عَبّأت الجيش بالتشديد والتخفيف فأنا أعبئه : أُهَيّئُهُ . والعِبءُ : الثقل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : قُلْ ما يَعْبأُ بِكُمْ رَبّي يصنع لولا دعاؤكم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبّي قال : يعبأ : يفعل . وقوله : لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول : لولا عبادة من يعبده منكم ، وطاعة من يطيعه منكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حبّبه إلى المؤمنين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله لَوْلا دُعاؤُكُمْ قال : لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه .

وقوله فَقَدْ كَذّبْتُمْ يقول تعالى ذكره لمشركي قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد كذّبتم أيها القوم رسولكم الذي أرسل إليكم وخالفتم أمر ربكم الذي أمر بالتمسك به . لو تمسكتم به ، كان يعبأ بكم ربي فسوف يكون تكذيبكم رسول ربكم ، وخلافكم أمر بارئكم ، عذابا لكم ملازما ، قتلاً بالسيوف وهلاكا لكم مفنيا يلحق بعضكم بعضا ، كما قال أبو ذُؤَيب الهُذَليّ :

فَفاجأَهُ بِعادِيَةٍ لِزَامٍ *** كمَا يَتَفَجّرُ الحَوْضُ اللّقِيفُ

يعني باللزام : الكبير الذي يتبع بعضه بعضا ، وباللقيف : المتساقط الحجارة المتهدّم ، ففعل الله ذلك بهم ، وصدقهم وعده ، وقتلهم يوم بدر بأيدي أوليائه ، وألحق بعضهم ببعض ، فكان ذلك العذاب اللزام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني مولى لشقيق بن ثور أنه سمع سلمان أبا عبد الله ، قال : صليت مع ابن الزّبير فسمعته يقرأ : فقد كذب الكافرون .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سعيد بن أدهم السدوسيّ ، قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عبد المجيد ، قال : سمعت مسلم بن عمار ، قال : سمعت ابن عباس يقرأ هذا الحرف : فقد كذب الكافرون فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاما .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاما يقول : كذب الكافرون أعداء الله .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عامر ، عن ابن مسعود ، قال : فسوف يلقون لزاما يوم بدر .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : قال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، قوله فَسَوْفَ يكُونُ لِزَاما قال أُبَيّ بن كعب : هو القتل يوم بدر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عمرو ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : اللزام : يوم بدر .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد فَسَوْفَ يكُونُ لِزَاما قال : هو يوم بدر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَسَوْفَ يكُونُ لِزَاما قال : يوم بدر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن مَعْمر ، عن منصور ، عن سفيان ، عن ابن مسعود ، قال : اللزام : القتل يوم بدر .

حُدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَقَدْ كَذّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاما الكفار كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، فسوف يكون لزاما ، وهو يوم بدر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : قد مضى اللزام ، كان اللزام يوم بدر ، أسروا سبعين ، وقتلوا سبعين .

وقال آخرون : معنى اللزام : القتال . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاما قال : فسوف يكون قتالاً اللزام : القتال .

وقال آخرون : اللزام : الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس فَسَوْفَ يكُونُ لِزَاما قال : موتا .

وقال بعض أهل العلم بكلام العرب : معنى ذلك : فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شرّ . وقد بيّنا الصواب من القول في ذلك . وللنصب في اللزام وجه آخر غير الذي قلناه ، وهو أن يكون في قوله يَكُون مجهول ، ثم ينصب اللزام على الخبر كما قيل :

*** إذَا كان طَعْنا بَيْنَهُمْ وقتالاً ***

وقد كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تَدْعون من دونه من الاَلهة والأنداد ، وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل التأويل .

آخر ( تفسير ) سورة الفرقان ، والحمد لله وحده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

{ قل ما يعبأ بكم ربي } ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أو لا يعتد بكم { لولا دعاؤكم } لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة وإلا فهو وسائر الحيوانات سواء . وقيل معناه ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة إن جعلت استفهامية فمحلها النصب على المصدر كأنه قيل : أي عبء يعبأ بكم . { فقد كذبتم } بما أخبرتكم به حيث خالفتموه . وقيل قصرتم في العبادة من قولهم : كذب القتال إذا لم يبالغ فيه . وقرئ " فقد كذب الكافرون " أي الكافرون منكم لأن توجه الخطاب إلى الناس عامة بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب . { فسوف يكون لزاما } يكون جزاء التكذيب لازما يحيق بكم لا محالة ، أو أثره لازما بكم حتى يكبكم في النار ، وإنما أضمر من غير ذكر للتهويل والتنبيه على أنه لا يكتنهه الوصف ، وقيل المراد قتل يوم بدر وأنه لوزم بين القتلى لزاما ، وقرئ " لزاما " بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الفرقان لقي الله وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأدخل الجنة بغير نصب " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

وقوله : { قل ما يعبؤا بكم } الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بذلك ، و { ما } تحتمل النفي وتحتمل التقرير والكلام في نفسه يحتمل تأويلات أحدها أن تكون الآية إلى قوله { لولا دعاؤكم } خطاباً لجميع الناس فكأنه قال لقريش منهم أي ما يبالي الله بكم ولا ينظر إليكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت إذ ذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله . قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }{[8893]} [ الذاريات : 56 ] . وقال النقاش وغيره المعنى لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك فذلك هو عرف الناس المرعي{[8894]} فيهم ، وقرأ ابن الزبير وغيره «فقد كذب الكافرون » وهذا يؤيد أن الخطاب بما يعبأ هو لجميع الناس ، ثم يقول لقريش فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون العذاب والتكذيب الذي هو سبب العذاب لزاماً ، والثاني أن يكون الخطاب بالآيتين لقريش خاصة أي { ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } الأصنام آلهة دونه فإن ذلك يوجب تعذيبكم ، والثالثة وهو قول مجاهد أي ما يعبأ ربكم بكم لولا أن دعاكم إلى شرعه فوقع منكم الكفر والإعراض .

قال القاضي أبو محمد : والمصدر في هذا التأويل مضاف إلى المفعول وفي الأولين مضاف إلى الفاعل و { يعبأ } مشتق من العبء ، وهو الثقل الذي يعبأ ويرتب كما يعبأ الجيش{[8895]} ، وقرأ ابن الزبير «وقد كذبت الكافرون فسوف » ، قال ابن جني قرأ ابن الزبير وابن عباس الخ . . . «فقد كذب الكافرون » ، قال الزهراوي وهي قراءة ابن مسعود قال وهي على التفسير وأكثر الناس على أن «اللزام » المشار إليه في هذا الموضع هو يوم بدر وهو قول أبي بن كعب وابن مسعود ، والمعنى فسوف يكون جزاء التكذيب ، وقالت فرقة هو تعوذ بعذاب الآخرة ، وقال ابن مسعود اللزام التكذيب نفسه أي لا تعطون توبة ذكره الزهراوي ، وقال ابن عباس أيضاً «اللزام » الموت وهذا نحو القول ببدر وإن أراد به متأول الموت المعتاد في الناس عرفاً فهو ضعيف ، وقرأ جمهور الناس «لِزاماً » بكسر اللام من لوزم وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي{[8896]} : [ الوافر ]

فإمّا ينجوا من حتف أرض . . . فقد لقيا حتوفهما لزاما

وقرأ أبو السمال «لَزاماً » لفتح اللام من لزم{[8897]} والله المعين .


[8893]:الآية 56 من سورة الذاريات.
[8894]:في بعض النسخ: المدعى فيهم.
[8895]:في (اللسان- عبأ): "عبأ الأمر عبئا وعبأه يعبئه: هيأه، وعبأت المتاع: جعلت بعضه على بعض، وقيل: عبأ المتاع وعبأه: كلاهما هيأه، وكذلك الخيل والجيش، وكان يونس لا يهمز تعبية الجيش".
[8896]:هو صخر بن عبد الله الخيثمي الهذلي، وفي الأغاني أنه لقب بصخر الغي لخلاعته وشدة بأسه وكثرة شره، وله ترجمة في الإصابة، وفي الأغاني، والبيت في (اللسان- لزم) وفيه "قال أبو عبيدة: وجاء في التفسير عن الجماعة أنه يوم بدر، وما نزل بهم فيه، فإنه لوزم بين القتلى لزاما، أي: فصل، وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي: فإما ينجوا...البيت، وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، إن نجا من حتف مكان لقيه الحتف في مكان آخر لزاما".
[8897]:قال أبو جعفر: يكون مصدر لزم، والكسر أولى، وقال غيره: اللزام بالكسر مصدر لازم لزاما، مثل خاصم خصاما، واللزام بالفتح مصدر لزم، مثل سلم سلاما، أي سلامة، فاللزام بالفتح اللزوم، واللزام: الملازمة، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل، فاللزام في موقع: ملازم، واللزام في موقع: لازم.