تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

{ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } :

هذه مقابلة بين العامل بطاعة اللّه وغيره ، وبين العالم والجاهل ، وأن هذا من الأمور التي تقرر في العقول تباينها ، وعلم علما يقينا تفاوتها ، فليس المعرض عن طاعة ربه ، المتبع لهواه ، كمن هو قانت أي : مطيع للّه بأفضل العبادات وهي الصلاة ، وأفضل الأوقات وهو أوقات الليل ، فوصفه بكثرة العمل وأفضله ، ثم وصفه بالخوف والرجاء ، وذكر أن متعلق الخوف عذاب الآخرة ، على ما سلف من الذنوب ، وأن متعلق الرجاء ، رحمة اللّه ، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن .

{ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ } ربهم ويعلمون دينه الشرعي ودينه الجزائي ، وما له في ذلك من الأسرار والحكم { وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } شيئا من ذلك ؟ لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء ، كما لا يستوي الليل والنهار ، والضياء والظلام ، والماء والنار .

{ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } إذا ذكروا { أُولُو الْأَلْبَابِ } أي : أهل العقول الزكية الذكية ، فهم الذين يؤثرون الأعلى على الأدنى ، فيؤثرون العلم على الجهل ، وطاعة اللّه على مخالفته ، لأن لهم عقولا ترشدهم للنظر في العواقب ، بخلاف من لا لب له ولا عقل ، فإنه يتخذ إلهه هواه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

8

وإلى جانب هذه الصورة النكدة من الإنسان ، يعرض صورة أخرى . . صورة القلب الخائف الوجل ، الذي يذكر الله ولا ينساه في سراء ولا ضراء ؛ والذي يعيش حياته على الأرض في حذر من الآخرة ؛ وفي تطلع إلى رحمة ربه وفضله ؛ وفي اتصال بالله ينشأ عنه العلم الصحيح المدرك لحقائق الوجود :

أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً ، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ? قل : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ? إنما يتذكر أولو الألباب .

وهي صورة مشرقة مرهفة . فالقنوت والطاعة والتوجه - وهو ساجد وقائم - وهذه الحساسية المرهفة - وهو يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه - وهذا الصفاء وهذه الشفافية التي تفتح البصيرة . وتمنح القلب نعمة الرؤية والالتقاط والتلقي . . هذه كلها ترسم صورة مشرقة وضيئة من البشر تقابل تلك الصورة النكدة المطموسة التي رسمتها الآية السابقة . فلا جرم يعقد هذه الموازنة :

( قل : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ? ) . .

فالعلم الحق هو المعرفة . هو إدراك الحق . هو تفتح البصيرة . هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود . وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن ، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى ، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس .

وهذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي والمعرفة المستنيرة . . هذا هو . . القنوت لله . وحساسية القلب ، واستشعار الحذر من الآخرة ، والتطلع إلى رحمة الله وفضله ؛ ومراقبة الله هذه المراقبة الواجفة الخاشعة . . هذا هو الطريق ، ومن ثم يدرك اللب ويعرف ، وينتفع بما يرى وما يسمع وما يجرب ؛ وينتهي إلى الحقائق الكبرى الثابتة من وراء المشاهدات والتجارب الصغيرة . فأما الذين يقفون عند حدود التجارب المفردة ، والمشاهدات الظاهرة ، فهم جامعو معلومات وليسوا بالعلماء . .

إنما يتذكر أولو الألباب . .

وإنما يعرف أصحاب القلوب الواعية المتفتحة المدركة لما وراء الظواهر من حقائق . المنتفعة بما ترى وتعلم ، التي تذكر الله في كل شيء تراه وتلمسه ولا تنساه ، ولا تنسى يوم لقاه . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

يقول تعالى : أمن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادا ؟ لا يستوون عند الله ، كما قال تعالى : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] ، وقال هاهنا : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا } أي : في حال سجوده وفي حال قيامه ؛ ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ، ليس هو القيام وحده كما ، ذهب إليه آخرون .

قال الثوري ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن ابن مسعود أنه قال : القانت المطيع لله ولرسوله .

وقال ابن عباس ، والحسن ، والسدي ، وابن زيد : { آنَاءَ اللَّيْلِ } : جوف الليل . وقال الثوري ، عن منصور : بلغنا أن ذلك بين المغرب والعشاء .

وقال الحسن ، وقتادة : { آنَاءَ اللَّيْلِ } : أوله وأوسطه وآخره .

وقوله : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي : في حال عبادته خائف راج ، ولا بد في العبادة من هذا وهذا ، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب ؛ ولهذا قال : { يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ، فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه ، كما قال الإمام عبد بن حميد في مسنده .

حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت عن أنس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت ، فقال له : «كيف تجدك ؟ » قال : أرجو وأخاف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو ، وأمنه الذي يخافه » .

ورواه الترمذي والنسائي في " اليوم والليلة " ، وابن ماجه ، من حديث سَيَّار بن حاتم ، عن جعفر بن سليمان ، به . وقال الترمذي : " غريب . وقد رواه بعضهم عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا " .

وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا عمر بن شبَّة ، عن عبيدة النميري ، حدثنا أبو خَلَف عبد الله بن عيسى الخَزَّاز ، حدثنا يحيى البّكَّاء ، أنه سمع ابن عمر قرأ : { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } ؛ قال ابن عمر : ذاك عثمان بن عفان ، رضي الله عنه .

وإنما قال ابن عمر ذلك ؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته ، حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة ، كما روى ذلك أبو عبيدة عنه ، رضي الله عنه ، وقال الشاعر :

ضَحُّوا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ *** يُقَطَّع الليلَ تَسْبيحا وقُرآنا

وقال الإمام أحمد : كتب إلي الربيع بن نافع : حدثنا الهيثم بن حميد ، عن زيد بن واقد ، عن سليمان بن موسى ، عن كثير بن مرة ، عن تميم الداري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة » .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن إبراهيم بن يعقوب ، عن عبد الله بن يوسف والربيع بن نافع ، كلاهما عن الهيثم بن حميد ، به .

وقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } أي : هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله ؟ ! { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ } أي : إنما يعلم الفرق بين هذا وهذا من له لب وهو العقل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : أمّنْ فقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وعامة الكوفيين : «أمَنْ » بتخفيف الميم ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان : أحدهما أن يكون الألف في «أمّن » بمعنى الدعاء ، يراد بها : يا من هو قانت آناء الليل ، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بيا ، فتقول : أزيد أقبِلْ ، ويا زيد أَقبِلْ ومنه قول أوس بن حجر :

أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ *** إلاّ يَدٌ لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ

وإذا وجهت الألف إلى النداء كان معنى الكلام : قل تمتع أيها الكافر بكفرك قليلاً ، إنك من أصحاب النار ، ويا من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما إنك من أهل الجنة ، ويكون في النار عمى للفريق الكافر عند الله من الجزاء في الاَخرة ، الكفاية عن بيان ما للفريق المؤمن ، إذ كان معلوما اختلاف أحوالهما في الدنيا ، ومعقولاً أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الاَخر من أصحاب الجنة ، فحذف الخبر عما له ، اكتفاء بفهم السامع المراد منه من ذكره ، إذ كان قد دلّ على المحذوف بالمذكور . والثاني : أن تكون الألف التي في قوله : «أمَنْ » ألف استفهام ، فيكون معنى الكلام : أهذا كالذي جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله ، ثم اكتفى بما قد سبق من خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه ، إذ كان مفهوما المراد بالكلام ، كما قال الشاعر :

فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُ *** سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعا

فحذف لدفعناه وهو مراد في الكلام إذ كان مفهوما عند السامع مراده . وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : أمّنْ بتشديد الميم ، بمعنى : أم من هو ؟ ويقولون : إنما هي أمّنْ استفهام اعترض في الكلام بعد كلام قد مضى ، فجاء بأم فعلى هذا التأويل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكا من أجل أنه قد جرى الخير عن فريق الكفر ، وما أعدّ له في الاَخرة ، ثم أتبع الخبر عن فريق الإيمان ، فعلم بذلك المراد ، فاستغني بمعرفة السامع بمعناه من ذكره ، إذ كان معقولاً أن معناه : هذا أفضل أم هذا ؟ .

والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علماء من القرّاء مع صحة كلّ واحدة منهما في التأويل والإعراب ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقد ذكرنا اختلاف المختلفين ، والصواب من القول عندنا فيما مضى قبل في معنى القانت ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التأويل في ذلك في هذا الموضع ، ليعلم الناظر في الكتاب اتفاق معنى ذلك في هذا الموضع وغيره ، فكان بعضهم يقول : هو في هذا الموضع قراءة القارىء قائما في الصلاة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، أنه قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا سُئل عن القنوت ، قال : لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام ، وقرأ : أمّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللّيْلِ ساجِدا وقائما .

وقال آخرون : هو الطاعة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أَمّنْ هُوْ قانِتٌ يعني بالقنوت : الطاعة ، وذلك أنه قال : ثُمّ إذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُمْ تَخْرُجُونَ . . . إلى كُلّ لَهُ قانِتُونَ قال : مطيعون .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : أَمّنْ هُو قانِتٌ آناءَ اللّيْلِ ساجِدا وَقائما قال : القانت : المطيع .

وقوله : آناءَ اللّيْلِ يعني : ساعات الليل ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَمّنْ هُوَ قانتٌ آناءَ اللّيْلِ أوّله ، وأوسطه ، وآخره .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ آناءَ اللّيْلِ قال : ساعات الليل .

وقد مضى بياننا عن معنى الاَناء بشواهده ، وحكاية أقوال أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : ساجِدا وَقائما يقول : يقنت ساجدا أحيانا ، وأحيانا قائما ، يعني : يطيع والقنوت عندنا الطاعة ، ولذلك نصب قوله : ساجِدا وَقائما لأن معناه : أمّن هو يقنت آناء الليل ساجدا طورا ، وقائما طورا ، فهما حال من قانت . وقوله : يَحْذَرُ الاَخِرَةَ يقول : يحذر عذابَ الاَخرة ، كما :

حدثنا عليّ بن الحسن الأزديّ . قال : حدثنا يحيى بن اليمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : يَحْذَرُ الاَخِرَةَ قال : يحذر عقاب الاَخرة ، ويرجو رحمة ربه ، يقول : ويرجو أن يرحمه الله فيدخله الجنة .

وقوله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعتهم لربهم من الثواب ، وما عليهم في معصيتهم إياه من التبعات ، والذين لا يعلمون ذلك ، فهم يخبطون في عشواء ، لا يجرجون بحسن أعمالهم خيرا ، ولا يخافون بسيّئها شرا ؟ يقول : ما هذان بمتساويين . وقد رُوي عن أبي جعفر محمد بن علي في ذلك ما :

حدثني محمد بن خلف ، قال : ثني نصر بن مزاحم ، قال : حدثنا سفيان الجريري ، عن سعيد بن أبي مجاهد ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، رضوان الله عليه هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُونَ قال : نحن الذين يعلمون ، وعدوّنا الذين لا يعلمون .

وقوله : إنّمَا يَتَذَكّرُ أُولُو الألْبابِ يقول تعالى ذكره : إنما يعتبر حجج الله ، فيتعظ ، ويتفكر فيها ، ويتدبرها أهلُ العقول والحجى ، لا أهل الجهل والنقص في العقول .