غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

1

ثم أردفه بشرح حال المحقين الذين لا رجوع لهم إلا إلى الله ولا اعتماد لهم إلا على فضله فقال { أمن هو قانت } قال ابن عباس : القنوت الطاعة . وقال ابن عمر : لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام . والمشهور أنه الدعاء في الصلاة والقيام بما يجب عليه من الطاعة . وعن قتادة { آناء الليل } أوّله ووسطه وآخره . وفيه تنبيه على فضل قيام الليل ولا يخفى أنه كذلك لبعده عن الرياء ولمزيد الحضور وفراغ الحواس من الشواغل الخارجية ، ولأن الليل وقت الراحة فالعبادة فيه أشق على النفس فيكون ثوابه أكثر . والواو في قوله { ساجداً وقائماً } للجمع بين الصفتين . وفي قوله { يحذر الآخرة } أي عذابها { ويرجو رحمة ربه } إشارة إلى أن العابد يتقلب بين طوري القهر واللطف ، ويتردّد بين حالي القبض والبسط ولا يخفى أن في الكلام حذفاً فمن قرأ { أمن } بالتخفيف فالخبر محذوف والمعنى أمن هو مطيع كغيره ، وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جري ذكر الكافر قبله وبيان عدم الاستواء بين العالم والجاهل بعده . ومن قرأ بالتشديد فالمحذوف جملة استفهامية والمذكور معطوف على المبتدأ والمعنى : هذا أفضل أمن هو قانت . وقيل : الهمزة على قراءة التخفيف للنداء كما تقول : فلان لا يصلي ولا يصوم فيا من تصلي وتصوم أبشر . وقيل : المنادي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قوله { قل هل يستوي الذين يعلمون } الآية . قال جار الله : أراد بالذين يعلمون الذين سبق ذكرهم وهم القانتون فكأنه جعل من لا يعمل غير عالم . وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون فيها ثم يفتنون بالدنيا . ويجوز أن يراد على وجه التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون كذلك لا يستوي القانتون والعاصون . قيل نزلت في عمار بن ياسر وأمثاله ، والظاهر العموم . وفي قوله { إنما يتذكر أولو الألباب } إشارة إلى أن هذا التفات العظيم بين العالم والجاهل لا يعرفه إلا أرباب العقول كما قيل :

إنما نعرف ذا الفضل من الناس ذووه *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل لبعض العلماء : إنكم تزعمون أن العلم أفضل من المال ونحن نرى العلماء مجتمعين على أبواب الملوك دون العكس ؟ فأجاب بأن هذا أيضاً من فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه ، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فتركوه .