مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

{ أَمَّنْ } قرأ بالتخفيف مكي ونافع وحمزة على إدخال همزة الاستفهام على «من » ، وبالتشديد غيرهم على إدخال «أم » عليه و «من » مبتدأ خبره محذوف تقديره «أمن » { هُوَ قَانِتٌ } كغيره أي أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع لله ؟ وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله ، وقوله بعده { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } { ءَانَاءَ اليل } ساعاته { ساجدا وَقَائِماً } حالان من الضمير في { قَانِتٌ } { يَحْذَرُ الآخرة } أي عذاب الآخرة { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي الجنة ، ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء ، يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره في عمله . ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمناً ، والخوف إذا جاوز حده يكون إياساً ، وقد قال الله تعالى { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون } [ الأعراف : 99 ] وقال { إنه لا ييأس من من روح الله إلا القوم الكافرون } [ يوسف : 87 ] ، فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } أي يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم ، وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة حيث جعل القانتين هم العلماء ، أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب } جمع لب أي إنما يتعظ بوعظ الله أولو العقول .