النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

قوله عز وجل : { أمَّن هو قانتٌ } في الألف التي في { أمّن } وجهان :

أحدهما : أنها ألف استفهام .

الثاني : ألف نداء .

وفي قانت أربعة أوجه :

أحدها : أنه المطيع ، قاله ابن مسعود .

الثاني : أنه الخاشع في صلاته ، قاله ابن شهاب .

الثالث : القائم في صلاته ، قاله يحيى بن سلام .

الرابع : أنه الداعي لربه .

{ آناء الليل } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : طرف الليل ، قاله ابن عباس .

الثاني : ساعات الليل ، قاله الحسن .

الثالث : ما بين المغرب والعشاء ، قاله منصور .

{ ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه } قال السدي : يحذر عذاب الآخرة ويرجوا نعيم الجنة .

وفيمن أريد به هذا الكلام خمسة أقاويل :

أحدها : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه يحيى بن سلام .

الثاني : أبو بكر ، قاله ابن عباس في رواية الضحاك عنه .

الثالث : عثمان بن عفان ، قاله ابن عمر .

الرابع : عمار ابن ياسر وصهيب وأبو ذر وابن مسعود ، قاله الكلبي .

الخامس : أنه مرسل فيمن كان على هذه الحال قانتاً آناء الليل .

فمن زعم أن الألف الأولى استفهام أضمر في الكلام جواباً محذوفاً تقديره : أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً كمن جعل لله أنداداً ؟ قاله يحيى . وقال ابن عيسى : المحذوف من الجواب : كمن ليس كذلك .

ومن زعم أن الألف للنداء لم يضمر جواباً محذوفاً ، وجعل تقدير الكلام : أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .

{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : هل يستوي الذين يعلمون هذا فيعملون به والذين لا يعلمون هذا فلا يعملون به ، قاله قتادة .

الثاني : أن الذين يعلمون هم المؤمنون يعلمون أنهم ملاقو ربهم ، والذين لا يعلمون هم المشركون الذين جعلوا لله أنداداً قاله يحيى .

الثالث : ما قاله أبو جعفر محمد بن علي قال : الذين يعلمون نحن ، والذين لا يعلمون عدونا .

ويحتمل رابعاً : أن الذين يعلمون هم الموقنون ، والذين لا يعلمون هم المرتابون .