محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا } أي متعبدا في ساعاته يقطعها في السجود والقيام { يَحْذَرُ الْآخِرَةَ } أي عقابها { وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ } أي جنته ورضوانه ، أي : أهذا أفضل أم ذاك الكافر الجاحد الناسي لربه ؟ { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ } أي توحيده وأمره ونهيه في الثواب والطاعة { وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } أي لا يستويان .

تنبيهات :

الأول - في الآية استحباب قيام الليل . قال ابن عباس : ( آناء الليل : جوف الليل ) . وقال الحسن : ساعاته أوله ووسطه وآخره .

الثاني- في قوله تعالى : { يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه } ردّ على من ذمّ العبادة خوفا من النار أو رجاء الجنة . وقال صلى الله عليه وسلم : ( حولها ندندن ) .

الثالث - في قوله تعالى : { هل يستوي } الآية مدح العلم ورفعة قدره . وذمّ الجهل ونقصه . وقد يستدل به على أن الجاهل لا يكافئ العالمة ، كما أنه لا يكافئ بنت العالم ، أفاده في ( الإكليل ) .

وفي الآية أيضا إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم ، إذ عبر عنهم أولا ب ( القانت ) ثم نفى المساواة بينه وبين غيره ، ليكون تأكيدا له ، وتصريحا بأن غير العامل كأن ليس بعالم .

قال القشانيّ : وإنما كان المطيع هو العالم ، لأن العلم هو الذي رسخ في القلب وتأصل بعروقه في النفس ، بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته ، بل سيط باللحم والدم ، فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه ، وأما المرتسم في حيز التخيل ، بحيث يمكن ذهول النفس عنه وعن مقتضاه ، فليس بعلم . إنما هو أمر تصوري وتخيل عارض لا يلبث ، بل يزول سريعا . لا يغذو القلب ولا يسمن ولا يغني من جوع { إنما يتذكر } أي يتعظ بهذا الذكر { أولوا الألباب } أي العقول الصافية عن قشر التخيّل والوهم ، لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر . وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه .