قوله تعالى : { أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } قال بعضهم : هذه الآية صلة ما تقدم من قوله { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ } يقول : الذي تضرع إلى الله ، وأخلص دينه له ، ونسي ذلك ، وتركه إذا خول ذلك نعمة ، وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله كالذي هو قانت أي مطيع لله آناء الليل والنهار ، يحذر عذابه ، ويرجو رحمته ؟ ليسا بسواء عندكم : الذي أطاع الله في جميع أوقاته : حاذر تقصيره ، راج رحمته بطاعته . والذي عصى ربه ، ولم يطعه . أنهما ليسا بسواء ، ثم رأيتم أنهما قد استويا في نعم هذه الدار وسعتها وشدائدها ، وفي الحكمة التفريق بينهما ، فلا بد نم دار أخرى يفرق بينهما فيها : يثاب المحسن المطيع جزاء إحسانه وطاعته ، ويعاقب الكافر الظالم جزاء كفره وظلمه ، والله علم .
ومنهم من يجعل لهذه الآية مقابلا ، لكنه يقول : مقابلها ، ليس كالأول ، ولكن لم يذكر لها مقابلا ، ويقول : على ما عرفتم أنه لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم . فعلى ذلك لا يستوي الذي أطاع ربه أناء الليل ، وأجهد نفسه ي عبادة الله والذي عصى ربه ، وكفر نعمه ، وقد ظهر الاستواء بينهما في هذه الدنيا ، فلابد من التفريق بينهما في دار أخرى .
ولو لم تكن دار أخرى ، فيها يفرق ، ويميز ، لكان خلق هذا العالم على ما كان باطلا سفها غير حكمة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يحذر الآخرة } أي يحذر عذاب الآخرة . وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود أنه قرأ : يحذر عذاب الآخرة .
وقوله تعالى : { ويرجوا رحمة ربه } دلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الرجاء والحذر ؛ يرجو رحمته لا عمله ، ويحذر عذابه لتقصيره في عمله .
ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمنا ، وقد قال الله تعالى : { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } [ الأعراف : 99 ] والخوف إذا جاوز حده يكون إياسا ، وقد قال الله تعالى : { إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] .
ويجب أن يكون المؤمن كما ذكر عز وجل : { يدعون ربهم خوفا وطمعا } [ السجدة : 16 ] وذكر : { ويدعوننا رغبا ورهبا } [ الأنبياء : 90 ] لا يجاوز أحدهما حده .
وجائز أن يكون قوله تعالى : { ويرجوا رحمة ربه } أي جنته على ما سمى الله تعالى الجنة رحمة في غير موضع ، لما برحمته تنال هي ، والله أعلم .
وقوله عز وجل : { قل هل يستوي الذين يعلمون } بمعرفة نعم الله والقيام بشكره والحذر من عصيانه وعذابه { والذين لا يعلمون } بكل ذلك ؟ جوابه أن يقال : لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وهو ما قال : عز وجل : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] .
وقوله تعالى : { إنما يتذكر أولوا الألباب } إنما يتذكر بمواعظ الله أولو العقول والبصر والمعرفة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { آناء الليل } أي ساعات الليل ،
وقوله : { قانت } أي مطيع . وأصل القنوت القيام ، وهو القيام في الطاعة ، والله أعلم .
وفي قوله : { يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه } دلالة جواز الإرجاء لأنه لم يقطع على أحدهما دون الآخر ، وكذلك في قوله تعالى : { يدعون ربهم خوفا وطمعا } [ السجدة : 16 ] وفي قوله : { ويدعوننا رغبا ورهبا } [ الأنبياء : 90 ] .
وفي القطع على أحدهما كفر على ما ذكرنا في قوله : { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } [ الأعراف : 99 ] وقوله : { إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] إذ المجاوزة في الخوف إياس ، والمجاوزة في حد الرجاء أمن ، وقد ذكرنا أنه كفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.