وقوله تعالى : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } بتخفيف الميمِ ، هي قراءة نافعٍ وابنِ كَثِيرٍ وحمزة ، والهَمْزةُ للتقرير والاستفهام ، وكأنه يقولُ : أهذا القانتُ خَيْرٌ أم هذا المذكورُ الذي يتمتَّعُ بكُفْرِهِ قليلاً ، وهو من أَصْحَاب النار ، وقرأ الباقونَ : { أَمَّنْ } بتشديدِ الميمِ ، والمعنى : أهذا الكافرُ خَيْرٌ أمَّنْ هُو قَانِتٌ ؟ والقانتُ : المطِيعُ ؛ وبهذا فسَّره ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما ، والقُنُوتُ في الكلام يَقَع عَلى القِراءةِ وَعَلى طُولِ القيامِ في الصلاةِ ؛ وبهذا فسَّره ابنُ عُمَرَ رَضِي اللَّه عنهما قال الفَخْرُ : قيل : إن المرادَ بقوله : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل } : عُثْمَانُ بْنُ عفَّانَ ؛ لأنَّه كَان يُحْيِي الليل ، والصحيحُ أنها عامَّةٌ في كلِ من اتَّصَفَ بهذه الصِّفَةِ ، وفي هذه الآية تنبيهٌ على فضلِ قيامِ الليلِ ، انتهى ، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاسٍ ؛ أَنَّه قالَ : «مَنْ أحَبَّ أَنْ يُهَوِّنَ اللَّهُ عليه الوقوفَ يوم القيامةِ ، فَلْيَرَهُ اللَّهُ في سَوَادِ اللَّيْلِ سَاجِداً وقائِماً » ، قال الشيخ عبدُ الحَقِّ في «العَاقِبَةِ » : وعن قَبِيصَةَ بْنِ سُفْيَانَ قال : رأيتُ سُفْيانَ الثَّوْرِيَّ في المنام بعد موته ؛ فقلتُ له : ما فعل اللَّه بك ؟ فقال :
نَظَرْتُ إلى رَبِّي عِيَاناً فَقَالَ لِي *** هَنِيئاً رِضَائي عَنْكَ يَا ابْنَ سَعِيدِ
لَقَدْ كُنْتَ قَوَّاماً إذَا اللَّيْلُ قَدْ دَجَا *** بِعَبْرَةِ مَحْزُونٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ
فَدُونَكَ فاختر أَيَّ قَصْرٍ تُرِيدُه *** وَزُرْنِي فَإنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ
وكَانَ شُعْبَة بن الحَجَّاج ، ومِسْعَرُ بْن كِدَامٍ ، رجلَيْنِ فَاضِلَيْنِ ، وكانَا مِنْ ثِقَاتِ المُحَدِّثينَ وحُفَّاظِهِم ، وكان شُعْبَةُ أَكْبَرَ فَمَاتَا ، قال أبو أحمد اليَزِيدِيُّ ، فرَأَيتُهما في النَّوْمِ ، وكنتُ إلى شُعْبَةَ أَمْيَلَ مِنِّي إلى مِسْعَرٍ ، فقلتُ : يا أبا بِسْطَامَ ؛ ما فَعَلَ اللَّهُ بك ؟ فقال : وَفَّقَكَ اللَّه يا بُنَيَّ ، احفظ ما أقُولُ :
حَبَانِي إلهي فِي الْجِنِانِ بِقُبَّة *** لَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ لُجَيْنٍ وَجَوْهَرَا
وَقَالَ لِيَ الْجَبَّارُ : يَا شُعْبَةُ الَّذِي *** تَبَحَّرَ في جَمْعِ الْعُلُومِ وَأَكْثَرَا
تَمَتَّعْ بِقُرْبِي إنَّنِي عَنْكَ ذُو رِضا *** وَعَنْ عَبْدِيَ القَوَّامِ في اللَّيْلِ [ مِسْعَرَا ]
كفى مِسْعَراً عِزًّا بِأنْ سَيَزُورُنِي *** وَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي وَيَدْنُو لِيَنْظُرَا
وهذا فِعَالِي بِالَّذِينَ تَنَسَّكُوا *** وَلَمْ يَأْلَفُوا في سَالِفِ الدَّهْرِ مُنْكَرَا
انتهى . والآناء : الساعاتُ واحدها أني كَمِعًي ويقال : إِنْي بكسر الهمزة وسكون النون ، وأَنا على وزن قَفاً .
وقوله سبحانه : { يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } قال ابْنُ الجوزيِّ في «المُنْتَخَبِ » : يقولُ اللَّه تعالى : «لاَ أجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلاَ أَمْنَيْنِ ؛ مَنْ خَافَنِي في الدُّنْيَا ، أمَّنتُهُ في الآخِرَةِ ، وَمَنْ أَمِنَنِي في الدُّنْيَا خَوَّفْتُهُ في الآخِرَةِ » ، يَا أَخِي :
امتطَى القَوْمُ مَطَايَا الدجى على مَرْكَبِ السَّهَرِ ***
فَمَا حَلُّوا وَلاَ حَلُّوا رِحَالَهُمْ حَتَّى السَّحَرْ
دَرَسُوا القُرآن فَغَرَسُوا بِأَيْدِي الْفِكْرِ أَزْكَى الشَّجَرْ ***
وَمَالُوا إلى النُّفُوسِ بِاللَّوْمِ ؛ فَلاَ تَسْأَلْ عَمَّا شَجَرْ
رَجَعُوا بِنَيْلِ القَبُولِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرْ ***
وَوَقَفُوا على كَنْزِ النَّجَاةِ وَمَا عِنْدَكَ خَبَرْ
فإذا جَاء النَّهَارُ قَدَّمُوا طَعَامَ *** الجُوعِ وَقَالُوا لِلنَّفْسِ : هَذَا الَّذِي حَضَرْ
حَذَوْا عزَمَاتٍ طَاحَتِ الأَرْضُ *** بَيْنَهَا فَصَارَ سُرَاهُمْ في ظُهُورِ العَزَائِمْ
تَرَاهُمْ نُجُومَ اللَّيْلِ مَا يَبْتَغُونَهُ *** على عَاتِقِ الشعرى وَهَامِ النَّعَائِمْ
مَالَتْ بِالقَوْمِ رِيحُ السَّحَرِ مَيْلَ الشَّجَرِ بِالأَغْصَانْ ***
وَهَزَّ الخَوْفُ أَفْنَانْ القُلُوبِ فانتشرت الأَفْنَان
فَالقَلْبُ يَخْشَعُ واللِّسَانُ يَضْرَعُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَالوَقْتُ بُسْتَانْ ***
خَلَوْتُهُمْ بِالحَبِيبِ تَشْغَلُهُمْ عَنْ نُعْمٍ وَنَعْمَانْ
سُرُورُهُمْ أَسَاوِرُهُمْ وَالخُشُوعُ تِيجِانْ ***
خُضُوعُهُمْ حُلاَهُمْ وَمَاءُ دَمْعِهِمْ دُرٌّ وَمَرْجَانْ
بَاعُوا الْحِرْصَ بِالقَنَاعَةِ فَمَا مُلكُ أَنُوشِرْوَان ***
فَإذَا وَرَدُوا القِيَامَةَ تَلَقَّاهُمْ بَشَرٌ : لَوْلاَكُمْ مَا طَابَ الجِنَانْ
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانْ ***
َأيْنَ أَنْتَ مِنْهُمْ يَا نَائِمُ كَيَقْظَانْ
كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَيْنَ الشُّجَاعُ مِنَ الجَبَانْ ***
مَا لِلْمَوَاعِظِ فِيكَ نُجْحٌ ، مَوْضِعُ القَلْبِ بِاللَّهْوِ مِنْكَ مَلآنْ
يَا أَخِي ، قِفْ على بَابِ النَّجَاحِ ولكن وُقُوفَ لُهْفَانْ ***
واركب سُفُنَ الصَّلاَحِ ، فهذا المَوْتُ طُوفَانْ
إخْوَانِي ، إنَّمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَرَاحِلْ ***
وَمَرْكَبُ العُمْرِ قَدْ قَارَبَ السَّاحِلْ
فانتبه لِنَفْسِكَ وازدجر يَا غَافِلْ ***
َيا هَذَا ، أَنْتَ مُقِيمٌ فيَّ مُنَاخِ الرَّاحِلِينَ
وَيْحَكَ اغتنم أَيَّامَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ صَيْحَةِ *** الانْتِزَاعِ ، فَما أقْرَب مَا يُنْتَظَرْ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.