الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (9)

ثم قال : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا قائما } من خفف ( من ){[58705]} جعله نداء أو رفعه بالابتداء ، ويكون الخبر محذوفا{[58706]} . والتقدير : أهذا أفضل ( أومن ){[58707]} جعل لله أندادا .

ومن شدد{[58708]} ف( من ) في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف على ما قدمنا في التخفيف{[58709]} .

وقيل التقدير : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت لأنه ذكر من جعل لله أندادا ليضل عن سبيله{[58710]} .

ثم قال : { أمن هو قانت } أي : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت ؟ ودل على ذلك قوله : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }{[58711]} .

وقيل : ( أم ) بمعنى / الألف ، كأنه قال : أمن{[58712]} هو قانت ، ويكون الجواب مضمرا بعده كأنه قال : أم من هو قانت كمن مضت صفته من الكفار{[58713]} . قال ابن عباس : القنوت هنا : قراءة القرآن .

وآناء الليل : ساعاته ، واحدة ، أني كمعي{[58714]} وفيه وجوه قد تقدم ذكرها{[58715]} .

وقيل القنوت : الطاعة{[58716]} ، وهو أصله .

وروى الخدري{[58717]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل قنوت في القرآن{[58718]} فهو طاعة لله عز وجل{[58719]} " .

وروى جابر{[58720]} أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " {[58721]} . فتأوله جماعة من أهل العلم أنه طول القيام{[58722]} .

وسئل ابن عمر عن القنوت ، فقال : ( ما أعرف القنوت إلا طول القيام ، وقراءة القرآن ){[58723]} .

وقال مجاهد : من القنوت : طول الركوع ، وغض الطرف{[58724]} .

ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه{[58725]} .

وعن ابن عمر : إنها نزلت في عثمان رضي الله عنه{[58726]} .

وكانوا يستحبون حسن الملبس في الصلاة .

روى نافع{[58727]} أن ابن عمر قال له : قم فصل . قال نافع : فقمت أصلي – وكان عليَّ ثوب خلق – فدعاني ابن عمر فقال لي : أرأيتك لو وجهتك في حاجة وراء الجدار ، أكنت{[58728]} تمضي هكذا ؟ ! قال : فقلت : كنت أتزين ! قال : فالله جل وعز أجل أن يتزين له ! ! . {[58729]}

قوله : { ساجدا وقائما } ، أي : يقنت ساجدا أحيانا وقائما أحيانا { يحذر الآخرة } . أي عذاب الآخرة .

{ ويرجوا رحمة ربه } أي : يرجو أن يرحمه ربه فيدخله الجنة .

ثم قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } أي : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة الله عز وجل من الثواب وما عليهم في معصيته من العقاب ، والذين لا يعلمون ذلك .

يعني{[58730]} : من يؤمن بالبعث والحساب والجزاء والذين لا يؤمنون بذلك . فالمعنى : لا يستوي المطيع والعاصي .

وقيل : الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ، والذين هو من لا ينتفع بعلمه ، ومن لا علم عنده{[58731]} .

ثم قال : { إنما يتذكر أولوا الألباب } أي : إنما يعتبر حجج الله عز وجل فيتعظ بها ويتدبرها أصحاب العقول والبصائر .

ويقف القارئ على ( رحمة ربه ) إن شدد الميم ، لأن الخبر المحذوف مقدر قبل ( قل هل ){[58732]} .

ومن خفف وجعل ( من ) مرفوعة بالابتداء وقف أيضا على ( ربه ) ويقدر الخبر أيضا محذوفا قبل ( قل هل{[58733]} ) .

ومن جعله نداء لم يقف على ( ربه ) ، لأن ( قل هل ) متصل بالمنادي .

والمعنى : يا من هو قانت قل هل ، فإن قدرت محذوفا تتم به فائدة النداء ، وقفت على ( ربه ) .

والتقدير : ( يا من هو قانت أبشر ، ثم تبتدئ{[58734]} قل هل ) .


[58705]:فوق السطر في (ع).
[58706]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/630 وإعراب الزجاج 2/649 وإعراب النحاس 4/5 والمحرر الوجيز 14/67، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/322.
[58707]:(ح): ومن.
[58708]:بالتخفيف قرأ نافع وحمزة وابن كثير انظر: ذلك في الكشف 2/237، وحجة القراءات 620 وسراج القارئ 338 وغيث النفع 338. وقرأها بالتخفيف أيضا: عيسى وشيبة ابن نصاح ويحيى بن وثاب. انظر: هذه الإضافة في معاني الفراء 2/416 والمحرر الوجيز 14/67. وقرأها بالتشديد: عاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي والحسن والأعرج وقتادة وأبو جعفر المدني. انظر: ذلك في: معاني الفراء 2/416، والمحرر الوجيز 14/67، وجامع القرطبي 15/238.
[58709]:انظر: إعرابه في البيان في غريب إعراب القرآن 2/322.
[58710]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/631.
[58711]:الزمر آية 10.
[58712]:(ح): أم.
[58713]:انظر: جامع القرطبي 15/238، والجنى الداني 36.
[58714]:(ح): (كمعا).
[58715]:تقدم ذلك في : آل عمران: 113، وطه آية 128.
[58716]:قاله ابن عباس: انظر: ذلك في جامع البيان 23/129. انظر: صفة الصفوة 1/714 ت 105، والإصابة 2/35 ت، 3196 والتقريب 1/289 ت 101.
[58717]:هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري أبو سعيد، من علماء الصحابة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ابن المسيب والشعبي ونافع وغيرهم، توفي سنة 74 هـ. انظر: صفة الصفوة 1/714ت105، والإصابة 2/35ت، 3196 والتقريب 1/289 ت 101.
[58718]:(ح): بالقرآن.
[58719]:انظر: جامع القرطبي 14/20 وإعراب النحاس 4/6 و3/270.
[58720]:هو جابر بن عبد الله بن عمرو الخرزجي الأنصاري صحابي، فقيه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، توفي سنة 78 هـ. انظر: طبقات ابن سعد 3/574، وتذكرة الحفاظ 1/43ت21.
[58721]:أخرجه مسلم في كتاب المسافرين الباب 22، الحديث 165 عن جابر بلفظه، والترمذي في كتاب الصلاة الباب 168: ح 285 عن جابر بلفظه، والنسائي في الزكاة الباب 49 ح 2526 وابن ماجة في كتاب الإقامة الباب 200 ح 1421، وأحمد 3/302 و3/314 و3/391 كلها عن جابر بلفظ الحديث.
[58722]:انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 6/35 و36 وقد أضاف قائلا: (وفيه دليل للشافعي ومن يقول كقوله: إن تطويل القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود).
[58723]:انظر: جامع البيان 23/129، وإعراب النحاس 4/6، وجامع القرطبي 15/239.
[58724]:(ح): (وعض الطرف. قوله: وعض الطرف: معناه ما قال ابن شهاب: إنه الخاشع في صلاته). وانظر: إعراب النحاس 4/6، وجامع القرطبي 15/239.
[58725]:انظر: أسباب النزول 247 برواية عطاء عن ابن عباس.
[58726]:انظر: أسباب النزول 247، وجامع القرطبي 15/239، ولباب النقول 189.
[58727]:هو نافع بن جرجس أبو عبد الله الديلمي مولى ابن عمر رضي الله عنه، أجمع العلماء على توثيقه وأمانته توفي سنة 116. وفيه خلاف.
[58728]:(ح): كنت.
[58729]:انظر: إعراب النحاس 4/6، وجامع القرطبي 15/239.
[58730]:(ح): أو وقد كتبت في الطرة.
[58731]:انظر: إعراب النحاس 4/7، وجامع القرطبي 15/240.
[58732]:انظر: المكتفى 487، ومنار الهدى 270، والمقصد 74.
[58733]:منارة الهدى 270.
[58734]:في طرة (ع).