تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

لما أمر تعالى بالتقوى ، أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره ، ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب إذا كان المقصود هو الحج ، وكان الكسب حلالا منسوبا إلى فضل الله ، لا منسوبا إلى حذق العبد ، والوقوف مع السبب ، ونسيان المسبب ، فإن هذا هو الحرج بعينه .

وفي قوله : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } دلالة على أمور :

أحدها : الوقوف بعرفة ، وأنه كان معروفا أنه ركن من أركان الحج ، فالإفاضة من عرفات ، لا تكون إلا بعد الوقوف .

الثاني : الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام ، وهو المزدلفة ، وذلك أيضا معروف ، يكون ليلة النحر بائتا بها ، وبعد صلاة الفجر ، يقف في المزدلفة داعيا ، حتى يسفر جدا ، ويدخل في ذكر الله عنده ، إيقاع الفرائض والنوافل فيه .

الثالث : أن الوقوف بمزدلفة ، متأخر عن الوقوف بعرفة ، كما تدل عليه الفاء والترتيب .

الرابع ، والخامس : أن عرفات ومزدلفة ، كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها ، وإظهارها .

السادس : أن مزدلفة في الحرم ، كما قيده بالحرام .

السابع : أن عرفة في الحل ، كما هو مفهوم التقييد ب " مزدلفة "

{ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } أي : اذكروا الله تعالى كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال ، وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، فهذه من أكبر النعم ، التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

189

ثم يمضي في بيان أحكام الحج وشعائره ، فيبين حكم مزاولة التجارة أو العمل بأجر بالنسبة للحاج . وحكم الإفاضة ومكانها . وما يجب من الذكر والاستغفار بعدها :

( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم . فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين . ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم ) . .

قال البخاري - بإسناده - عن ابن عباس . قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية . فتأثموا أن يتجروا في الموسم . فنزلت : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم )في مواسم الحج .

وروى أبو داود - بإسناده من طريق آخر - إلى ابن عباس . قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ، يقولون : أيام ذكر . فأنزل الله : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) . .

وفي رواية عن أبي أمامة التيمي قال : قلت لابن عمر : إنا نكري . فهل لنا من حج ؟ قال : أليس تطوفون بالبيت ، وتأتون بالمعروف ، وترمون الجمار ، وتحلقون رؤوسكم ؟ قال : قلنا : بلى . فقال ابن عمر : جاء رجل إلى النبي [ ص ] فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) .

وفي رواية عن أبي صالح مولى عمر [ رواها ابن جرير ] قال : قلت : يا أمير المؤمنين . كنتم تتجرون في الحج ؟ قال : وهل كانت معايشهم إلا في الحج ؟

وهذا التحرج الذي تذكره الروايتان الأوليان من التجارة ، والتحرج الذي تذكره الرواية الثالثة عن الكراء أو العمل بأجر في الحج . . هو طرف من ذلك التحرج الذي أنشأه الإسلام في النفوس من كل ما كان سائغا في الجاهلية ، وانتظار رأي الإسلام فيه قبل الإقدام عليه . وهي الحالة التي تحدثنا عنها في أوائل هذا الجزء ، عند الكلام عن التحرج من الطواف بالصفا والمروة .

وقد نزلت إباحة البيع والشراء والكراء في الحج ، وسماها القرآن ابتغاء من فضل الله :

( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) . .

ليشعر من يزاولها أنه يبتغي من فضل الله حين يتجر وحين يعمل بأجر وحين يطلب أسباب الرزق : إنه لا يرزق نفسه بعمله . إنما هو يطلب من فضل الله ، فيعطيه الله . فأحرى ألا ينسى هذه الحقيقة ؛ وهي أنه يبتغي من فضل الله ، وأنه ينال من هذا الفضل حين يكسب وحين يقبض وحين يحصل على رزقه من وراء الأسباب التي يتخذها للارتزاق . ومتى استقر هذا الإحساس في قلبه ، وهو يبتغي الرزق ، فهو إذن في حالة عبادة لله ، لا تتنافى مع عبادة الحج ، في الاتجاه إلى الله . . ومتى ضمن الإسلام هذه المشاعر في قلب المؤمن أطلقه يعمل وينشط كما يشاء . . وكل حركة منه عبادة في هذا المقام .

لهذا يجعل الحديث عن طلب الرزق جزءاً من آية تتحدث عن بقية شعائر الحج ، فتذكر الإفاضة والذكر عند المشعر الحرام :

( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) . .

والوقوف بعرفة عمدة أفعال الحج . . روى أصحاب السنن بإسناد صحيح عن الثوري عن بكير ، عن عطاء ، عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي . قال : سمعت رسول الله [ ص ] يقول : " الحج عرفات - ثلاثا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك . وأيام منى ثلاثة . فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " . .

ووقت الوقوف بعرفة من الزوال [ الظهر ] يوم عرفة - وهو اليوم التاسع من ذي الحجة - إلى طلوع الفجر من يوم النحر . . وهناك قول ذهب إليه الإمام أحمد ، وهو أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة . استنادا إلى حديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي . عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن حارثة بن لام الطائي قال : " أتيت رسول الله [ ص ] بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبل طيء . أكللت راحلتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه . فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله [ ص ] : " من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه " .

وقد سن رسول الله [ ص ] للوقوف هذا الوقت - على أي القولين - ومد وقت الوقوف بعرفة إلى فجر يوم النحر - وهو العاشر من ذي الحجة - ليخالف هدي المشركين في وقوفهم بها . . روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي - بإسناده - عن المسور ابن مخرمة قال : " خطبنا رسول الله [ ص ] وهو بعرفات . فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد - وكان إذا خطب خطبة قال : أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر . ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس ، إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها . وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس ، مخالفا هدينا هدي أهل الشرك " . .

والذي ورد عن فعل رسول الله [ ص ] أنه دفع بعد غروب شمس يوم عرفة ، وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله - في صحيح مسلم - " فلم يزل واقفا - يعني بعرفة - حتى غربت الشمس وبدتالصفرة قليلا ، حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله [ ص ] وقد شنق للقصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : " أيها الناس ، السكينة السكينة " كلما اتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا . ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام . فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس " . .

وهذا الذي فعله رسول الله [ ص ] هو الذي تشير إليه الآية :

( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) . .

والمشعر الحرام هو المزدلفة . والقرآن هنا يأمر بذكر الله عنده بعد الإفاضة من عرفات . ثم يذكر المسلمين بأن هذا الذكر من هداية الله لهم ؛ وهو مظهر الشكر على هذه الهداية . ويذكرهم بما كان من أمرهم قبل أن يهديهم :

( وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) . .

والجماعة المسلمة الأولى كانت تدرك حق الإدراك مدى وعمق هذه الحقيقة في حياتها . . لقد كانت قريبة عهد بما كان العرب فيه من ضلال . . ضلال في التصور ، مظهره عبادة الأصنام والجن والملائكة ، ونسبة بنوة الملائكة إلى الله ، ونسبة الصهر إلى الله مع الجن . . إلى آخر هذه التصورات السخيفة المتهافتة المضطربة ، التي كانت تنشىء بدورها اضطرابا في العبادات والشعائر والسلوك : من تحريم بعض الأنعام ظهورها أو لحومها بلا مبرر إلا تصور علاقات بينها وبين شتى الآلهة . ومن نذر بعض أولادهم للآلهة وإشراك الجن فيها . ومن عادات جاهلية شتى لا سند لها إلا هذا الركام من التصورات الاعتقادية المضطربة . . وضلال في الحياة الاجتماعية والأخلاقية . . تمثله تلك الفوارق الطبقية التي تشير الآية التالية في السياق : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) إلى إزالتها كما سيجيء . وتمثله تلك الحروب والمشاحنات القبلية التي لم تكن تجعل من العرب أمة يحسب لها حساب في العالم الدولي . وتمثله تلك الفوضى الخلقية في العلاقات الجنسية ، والعلاقات الزوجية ، وعلاقات الأسرة بصفة عامة . وتمثله تلك المظالم التي يزاولها الأقوياء ضد الضعاف في المجتمع بلا ميزان ثابت يفيء إليه الجميع . . وتمثلها حياة العرب بصفة عامة ووضعهم الإنساني المتخلف الذي لم يرفعهم منه إلا الإسلام .

وحين كانوا يسمعون :

( واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) . .

كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم الضالة الزرية الهابطة التي كانت تطبع تاريخهم كله ؛ ثم يتلفتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي رفعهم إليه الإسلام ، والذي هداهم الله إليه بهذا الدين ، فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها في وجودهم كله بلا جدال . .

وهذه الحقيقة ما تزال قائمة بالقياس إلى المسلمين من كل أمة ومن كل جيل . . من هم بغير الإسلام ؟ وما هم بغير هذه العقيدة ؟ إنهم حين يهتدون إلى الإسلام ، وحين يصبح المنهج الإسلامي حقيقة في حياتهم ينتقلون من طور وضيع صغير ضال مضطرب إلى طور آخر رفيع عظيم مهتد مستقيم . ولا يدركون هذه النقلة إلا حين يصبحون مسلمين حقا ، أي حين يقيمون حياتهم كلها على النهج الإسلامي . . وإن البشرية كلها لتتيهفي جاهلية عمياء ما لم تهتد إلى هذا النهج المهتدي . . لا يدرك هذه الحقيقة إلا من يعيش في الجاهلية البشرية التي تعج بها الأرض في كل مكان ، ثم يحيا بعد ذلك بالتصور الإسلامي الرفيع للحياة ، ويدرك حقيقة المنهج الإسلامي الشامخة على كل ما حولها من مقاذر ومستنقعات وأوحال !

وحين يطل الإنسان من قمة التصور الإسلامي والمنهج الإسلامي ، على البشرية كلها في جميع تصوراتها ، وجميع مناهجها ، وجميع نظمها - بما في ذلك تصورات أكبر فلاسفتها قديما وحديثا ، ومذاهب أكبر مفكريها قديما وحديثا - حين يطل الإنسان من تلك القمة الشامخة يدركه العجب من انشغال هذه البشرية بما هي فيه من عبث ، ومن عنت ومن شقوة ، ومن ضآلة ، ومن اضطراب لا يصنعه بنفسه عاقل يدعي - فيما يدعي - أنه لم يعد في حاجة إلى إله ! أو لم يعد على الأقل - كما يزعم - في حاجة لاتباع شريعة إله ومنهج إله !

فهذا هو الذي يذكر الله به المسلمين ، وهو يمتن عليهم بنعمته الكبرى :

( واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

قال البخاري : حدثنا محمد ، أخبرني ابن عيينة ، عن عَمْرو ، عن ابن عباس ، قال : كانت عكاظ ومَجَنَّة ، وذو المجاز أسواق الجاهلية ، فتأثَّموا أن يتجروا في المواسم{[3587]} فنزلت : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ } في مواسم الحج{[3588]} .

وهكذا رواه عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وغير واحد ، عن سفيان بن عيينة ، به{[3589]} .

ولبعضهم : فلما جاء الإسلام تأثموا أن يتجروا ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله هذه الآية . وكذلك{[3590]} رواه ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : كان متجر الناس في الجاهلية عكاظُ ومَجّنةُ وذو المجاز ، فلما كان{[3591]} الإسلام كأنهم كرهوا ذلك ، حتى نزلت هذه الآية .

وروى أبو داود ، وغيره ، من حديث يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يَتَّقون البيوع والتجارة في الموسم ، والحج ، يقولون : أيام ذكر ، فأنزل الله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ }{[3592]} .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أنه قال : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل

الإحرام وبعده . وهكذا رَوَى العوفي ، عن ابن عباس

وقال وَكِيع : حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " . [ وقال عبد الرزاق : عن أبيه عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد : سمعت ابن الزبير يقول : " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " ] {[3593]} .

ورواه عبد بن حميد ، عن محمد بن الفضل ، عن حماد بن زيد ، عن عبيد الله{[3594]} بن أبي يزيد ، سمعت ابن الزبير يقرأ{[3595]} - فذكر مثله سواء{[3596]} . وهكذا فسرها مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومنصور بن المعتمر ، وقتادة ، وإبراهيم النخعي ، والربيع بن أنس ، وغيرهم .

وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا شبابة بن سَوّار ، حدثنا شعبة ، عن أبي أميمة{[3597]} قال : سمعت ابن عمر - وسُئِل عن الرجل يحجُّ ومعه تجارة - فقرأ ابن عمر : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ }

وهذا موقوف ، وهو قوي جيد{[3598]} . وقد روي مرفوعًا قال أحمد : حدثنا [ أحمد بن ]{[3599]} أسباط ، حدثنا الحسن بن عَمْرو الفُقَيمي ، عن أبي أمامة التيمي ، قال : قلت لابن عمر : إنا نكري ، فهل لنا من حج ، قال : أليس تطوفون بالبيت ، وتأتون المُعَرَّفَ ، وترمون الجمار ، وتحلقون رؤوسكم ؟ قال : قلنا{[3600]} : بلى . فقال ابن عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه ، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أنتم حجاج " {[3601]} .

وقال{[3602]} عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن العلاء بن المسيب ، عن رجل من بني تيم الله قال : جاء رَجُل إلى عبد الله بن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنا قوم نُكْري ، ويزعمون أنه ليس لنا حج . قال : ألستم تحرمون كما يحرمون ، وتطوفون كما يطوفون ، وترمون كما يرمون ؟ قال : بلى . قال : فأنت حاج{[3603]} . ثم قال ابن عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عما سألت عنه ، فنزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ }{[3604]} .

ورواه عَبْد [ بن حميد في تفسيره ]{[3605]} عن عبد الرزاق به . وهكذا روى هذا الحديث ابن{[3606]} حذيفة ، عن الثوري ، مرفوعًا . وهكذا روي من غير هذا الوجه مرفوعًا{[3607]} .

وقال{[3608]} ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا عباد بن العوام ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي أمامة التيمي ، قال : قلت لابن عمر : إنا أناس نُكْرَي في هذا الوجه إلى مكة ، وإن أناساً يزعمون أنّه لا حج لنا ، فهل ترى لنا حجاً ؟ قال : ألستم تحرمون ، وتطوفون بالبيت ، وتقفون{[3609]} المناسك ؟ قال : قلت : بلى . قال : فأنتم حجاج . ثم قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن [ مثل ]{[3610]} الذي سألت ، فلم يَدْر ما يعود عليه - أو قال : فلم يَرُدّ عليه شيئا - حتى نزلت : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ } فدعا الرجل ، فتلاها عليه ، وقال : " أنتم حجاج " {[3611]} .

وكذا رواه مسعود بن سعد ، وعبد الواحد بن زياد ، وشَريك القاضي ، عن العلاء بن المسيب به مرفوعاً .

وقال ابن جرير : حدثني طليق{[3612]} بن محمد الواسطي ، حدثنا أسباط - هو ابن محمد - أخبرنا الحسن بن عَمْرو - هو الفقَيْمِي - عن أبي أمامة التيمي . قال : قلت لابن عمر : إنا قوم نُكْرَي ، فهل لنا من حج ؟ فقال : أليس تطوفون بالبيت ، وتأتون المُعَرّف ، وترمون الجمار ، وتحلقون رؤوسكم ؟ قلنا : بلى . قال{[3613]} جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن الذي سألتني عنه ، فلم يدر ما يقول له ، حتى نزل جبريل ، عليه السلام ، بهذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ } إلى آخر الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنتم حجاج " {[3614]} .

وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا مَنْدل ، عن عبد الرحمن بن المهاجر ، عن أبي صالح مولى عمر ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، كنتم تتجرون في الحج ؟ قال : وهل كانت معايشهم إلا في الحج ؟

وقوله تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ }

إنما صَرَفَ " عرفات " وإن كان علما على مؤنث ؛ لأنه في الأصل جَمْع كمسلمات ومؤمنات ، سمي به بقعة معينة ، فروعي فيه الأصل ، فصرف . اختاره ابن جرير .

وعرفة : موضع الموقف{[3615]} في الحج ، وهي عمدة أفعال الحج ؛ ولهذا روى الإمام أحمدُ ، وأهل السنن ، بإسناد صحيح ، عن الثوري ، عن بكير بن{[3616]} عطاء ، عن عبد الرحمن بن يَعْمر الديَلي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الحج عرفات - ثلاثا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر ، فقد أدرك . وأيام منى ثلاثة{[3617]} فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " {[3618]} .

ووقت الوقوف من الزوال يومَ عرفة إلى طُلُوع الفجر الثاني من يوم النحر ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، بعد أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس ، وقال : " لتأخُذوا عني مناسككم " {[3619]} .

وقال في هذا الحديث : " فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك " وهذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي رحمهم الله . وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عَرَفة . واحتجوا بحديث الشعبي ، عن عروة بن مُضَرِّس بن حارثة بن لام{[3620]} الطائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة ، حين خرج إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله ، إني جئت من جَبَليْ{[3621]} طيئ ، أكللت{[3622]} راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حَج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شَهِد صلاتنا هذه ، فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حَجّه ، وقضى تَفَثَه " .

رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي{[3623]} .

ثم قيل : إنما سميت عَرَفات لما رواه عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج قال : قال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب : بعث الله جبريل ، عليه السلام ، إلى إبراهيم ، عليه السلام ، فحج به ، حتى إذا أتى عرفة قال : عرفت ، وكان قد{[3624]} أتاها مرة قبل ذلك ، فلذلك سميت عَرَفة .

وقال ابن المبارك ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، قال : إنما سميت عرفة ، أنّ جبريل كان يُرِي إبراهيم المناسك ، فيقول : عَرَفْتُ عَرَفْتُ . فسمي " عرفات " . وروي نحوه عن ابن عباس ، وابن عمر وأبي مِجْلز ، فالله أعلم .

وتسمى عرفات المشعر الحلال ، والمشعر{[3625]} الأقصى ، وإلال - على وزن هلال - ويقال للجبل في وسطها : جَبَلُ الرحمة . قال أبو طالب في قصيدته المشهورة :

وبالمشعَر الأقصى إذا قصدوا له *** إلال إلى تلك الشِّراج القَوَابل{[3626]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا حماد بن الحسن بن عَنْبَسَة ، حدثنا أبو عامر ، عن زمعة - هو ابن صالح - عن سلمة - هو ابن وَهْرَام{[3627]} - عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان أهل الجاهلية يقفون بعرفة حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال ، كأنها العمائم على رؤوس الرجال ، دفعوا ، فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدفعة من عرفة حتى غربت الشمس .

ورواه ابن مَرْدُويه ، من حديث زمعة بن صالح ، وزاد : ثم وقف بالمزدلفة ، وصلى الفجر بغَلَس ، حتى إذا أسفر{[3628]} كل شيء وكان في الوقت الآخر ، دفع . وهذا حَسَنُ الإسناد .

وقال ابن جُرَيْج ، عن محمد بن قيس ، عن المسْوَر بن مَخْرَمة قال : خَطَبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بعرفات ، فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : " أما بعد - وكان إذا خطب خطبة قال : أما بعد - فإن هذا اليوم الحجَ الأكبر ، ألا وإن أهلَ الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس ، إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال ، كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس ، إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس ، مُخَالفاً هَدْيُنَا هَدْي أهل الشرك " .

هكذا رواه ابن مَرْدُيَه وهذا لفظه ، والحاكم في مستدركه ، كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي ، عن عبد الوارث بن سعيد ، عن ابن جريج ، به . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . قال : وقد صح وثَبَت بما ذكرناه سماع المِسْوَر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا كما يتوهمه رعاع أصحابنا أنّه ممن له رؤية{[3629]} بلا سماع{[3630]} .

وقال وَكِيع ، عن شعبة ، عن إسماعيل بن رجاء [ الزبيدي ]{[3631]} عن المعرور بن سويد ، قال : رأيت عمر ، رضي الله عنه ، حين دفع من عرفة ، كأني أنظر إليه رَجُلا أصلع على بعير له ، يُوضِع {[3632]} وهو يقول : إنا وجدنا الإفاضة هي الإيضاع .

وفي حديث جابر بن عبد الله الطويل ، الذي في صحيح مسلم ، قال فيه : فلم يزل واقفا - يعني بعرفة - حتى غربت الشمس ، وذهبت{[3633]} الصُّفْرَة قليلا حتى غاب القُرْصُ ، وأردف أسامة خلفه ، ودفعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شَنَقَ للقصواء الزّمام ، حتى إنّ رأسها ليصيب مَوْرك رحله ، ويقول بيده اليمنى : " أيها الناس ، السكينة السكينة " . كلما أتى جبلا من الجبال أرْخَى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المُزْدَلِفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئا ، ثم اضطجع حتى طلع الفَجرُ فصلى الفجر حين تَبَيَّن له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعرَ الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعا الله وكبره وهَلَّله ووحَّده ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلُع الشمس {[3634]} وفي الصحيح{[3635]} عن أسامة بن زيد ، أنه سُئِل كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دَفَعَ ؟

قال : " كان يسير العَنَق ، فإذا وجد فَجْوَة نَص " {[3636]} . والعنق : هو انبساط السير ، والنص ، فوقه .

وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو محمد ابن بنت الشافعي ، فيما كَتَب إليّ ، عن أبيه أو عمه ، عن سفيان بن عيينة قوله : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } وهي الصلاتين{[3637]} جميعاً .

وقال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن عمرو بن ميمون : سألت عبد الله بن عَمْرو عن المشعر الحرام ، فسكت حتى إذا هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة قال : أين السائل عن المشعر الحرام ؟ هذا المشعر الحرام .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن سالم قال : قال ابن عمر : المشعر الحرام المزدلفة كلها{[3638]} .

وقال هُشَيم ، عن حجاج{[3639]} عن نافع ، عن ابن عمر : أنه سئل عن قوله : { فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } قال : فقال : هو الجبل وما حوله .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن المغيرة ، عن إبراهيم قال : رآهم ابن عُمَر يزدحمون على قُزَحَ ، فقال : عَلام يزدحم هؤلاء ؟ كل ما هاهنا مشعر{[3640]} .

وروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جُبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة أنهم قالوا : هو ما بين الجبلين .

وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أين المزدلفة ؟ قال : إذا أفَضْت{[3641]} من مَأزمي عرفة فذلك إلى مُحَسِّر . قال : وليس المأزمان مَأزما عرفة من المزدلفة ، ولكن مُفَاضَاهما{[3642]} . قال : فقِف{[3643]} بينهما إن شئت ، قال : وأحب أن تَقفَ دون قُزَح ، هَلُمّ إلينا من أجل طريق الناس .

قلت : والمشاعر هي المعالم الظاهرة ، وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام ؛ لأنها داخل الحرم ، وهل الوقوف بها ركن في الحج لا يصح إلا به ، كما ذهب إليه طائفة من السلف ، وبعض أصحاب الشافعي ، منهم : القفال ، وابن خُزَيمة ، لحديث عُرْوة بن مُضَرس ؟ أو واجب ، كما هو أحد قولي الشافعي يجْبَر بدم ؟ أو مستحب لا يجب{[3644]} بتركه شيء كما هو القول الآخر ؟ في ذلك ثلاثة أقوال للعلماء ، لبسطها موضع آخر غير هذا ، والله أعلم .

وقال عبد الله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عَرَفَةُ كلها موقف ، وارفعوا عن عُرَنة{[3645]} ، وجَمْع كلها مَوقف إلا مُحَسرًا " {[3646]} .

هذا حديث مرسل . وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني سليمان بن موسى ، عن جبير بن مطعم{[3647]} ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " كل عرفات موقف ، وارفعوا عن عُرَنة{[3648]} . وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر ، وكل فجاج مكة مَنْحر ، وكل أيام التشريق ذبح " {[3649]} .

وهذا أيضا منقطع ، فإن سليمان بن موسى هذا - وهو الأشدق - لم يدرك جُبَير بن مطعم . ولكن رواه الوليد بن مسلم ، وسويد بن عبد العزيز ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان ، فقال الوليد : عن ابن لجبير{[3650]} بن مطعم ، عن أبيه . وقال سويد : عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره ، والله أعلم .

وقوله : { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } تنبيه لهم على ما أنْعَم به عليهم ، من الهداية والبيان والإرشاد إلى مشاعر الحج ، على ما كان عليه إبراهيم الخليل ، عليه السلام ؛ ولهذا قال : { وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } قيل : من قبل هذا الهدي ، وقبل القرآن ، وقبل الرسول ، والكل متقارب ، ومتلازم ، وصحيح .


[3587]:في جـ، ط: "في الموسم".
[3588]:صحيح البخاري برقم (4519).
[3589]:تفسير عبد الرزاق (1/65) وسنن سعيد بن منصور برقم (347).
[3590]:في ط: "وكذا".
[3591]:في جـ، ط: "فلما جاء".
[3592]:سنن أبي داود برقم (1731).
[3593]:زيادة من جـ، ط، و.
[3594]:في جـ: "عبد الله".
[3595]:في جـ: "يقول".
[3596]:في و: يقرأ: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج".
[3597]:في جـ، ط: "عن أبي أمامة".
[3598]:في أ: "جدا".
[3599]:زيادة من أ.
[3600]:في ط: "قال: قلت".
[3601]:المسند (2/155).
[3602]:في جـ، ط، أ، و: "وقد قال".
[3603]:في جـ: "فأنتم حجاج".
[3604]:ورواه الطبري في تفسيره (4/169) من طريق عبد الرزاق به.
[3605]:زيادة من و.
[3606]:في جـ، ط، أ، و: "أبو".
[3607]:وانظر ذكر هذه الطرق في: حاشية الشيخ سعد الحميد على سنن سعيد بن منصور برقم (352) فقد أجاد وأفاد، ولولا خشية الإطالة لنقلته هاهنا.
[3608]:في جـ، ط، أ، و: "فقال".
[3609]:في جـ، ط، أ، و: "تقضون".
[3610]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[3611]:ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (3051) من طريق مروان بن معاوية عن العلاء بن المسيب به، ورواه أبو داود في السنن برقم (1733) من طريق عبد الواحد بن زياد عن العلاء بن المسيب به.
[3612]:في جـ: "طلق".
[3613]:في جـ، ط: "فقال".
[3614]:تفسير الطبري (4/164).
[3615]:في جـ، ط، و: "موضع الوقوف" وفي أ: "مواضع الوقوف".
[3616]:في جـ، ط، أ، و: "عن" والمثبت من أ.
[3617]:في أ: "ثلاث".
[3618]:المسند (4/335) وسنن أبي داود برقم (1949) وسنن الترمذي برقم (2975) وسنن النسائي (5/264) وسنن ابن ماجة برقم (3015).
[3619]:رواه مسلم في صحيحه برقم (1297) من حديث جابر رضي الله عنه.
[3620]:في جـ: "ابن الإمام".
[3621]:في جـ، ط، أ:: من جبل".
[3622]:في جـ: "أظللت".
[3623]:المسند (4/15) وسنن أبي داود برقم (1950) وسنن الترمذي برقم (891) وسنن النسائي (5/263) وسنن ابن ماجة برقم (3016).
[3624]:في جـ: "وقد كان".
[3625]:في ط: "المشعر الحرام".
[3626]:البيت في السيرة النبوية لابن هشام (1/274).
[3627]:في جـ: "هو ابن هشام".
[3628]:في أ: "إذا استقر".
[3629]:في جـ: "ممن له رواية".
[3630]:المستدرك (2/277).
[3631]:زيادة من و.
[3632]:في أ: "فوضع".
[3633]:في جـ، ط، أ، و: "وبدت".
[3634]:صحيح مسلم برقم (1218).
[3635]:في جـ، ط، أ، و: "وفي الصحيحين".
[3636]:صحيح البخاري برقم (1666، 4413) وصحيح مسلم برقم (1286).
[3637]:كذا في جـ، ط، وهو خطأ، والصواب: "الصلاتان".
[3638]:رواه الطبري في تفسيره (4/176) من طريق عبد الرزاق به.
[3639]:في جـ: "عن الحجاج".
[3640]:رواه الطبري في تفسيره (4/177، 178) من طريق عبد الرزاق به.
[3641]:في جـ، ط: "إذا أفضيت"، وفي أ: "إذا قضيت".
[3642]:في أ، و: "مقضاهما".
[3643]:في جـ: "فتقف".
[3644]:في جـ: "لا يجبره".
[3645]:في أ، و: "عن عرفة".
[3646]:رواه الطبري في التفسير (4/179) وقد جاء موصولا من حديث جابر رضي الله عنه، ورواه ابن ماجة في السنن برقم (3012) وأصله في صحيح مسلم برقم (1218) أ. هـ مستفادا من حاشية الشيخ أحمد شاكر على تفسير الطبري.
[3647]:في ط: "عن جبير بن مطعم عن أبيه".
[3648]:في أ: "عرفات" وفي و: "عرنات".
[3649]:المسند (4/82).
[3650]:في أ: "عن جبير".