تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

الآية 198 وقوله تعالى : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) ؛ قيل : التجارة ؛ وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون من التجارة في عشر من ذي الحجة ، فلما أن كان الإسلام امتنع أهل الإسلام عن التجارة ، وأحبوا أن يكون خروجهم للحج خاصة دون أن يخالط{[2335]} غيره من الأعمال ، فرخص الله عز وجل [ للحجاج طلب ]{[2336]} الفضل . وروي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا سأله ، فقال : إنا قوم نكارى{[2337]} ، ويزعمون / 32-ب/ أنه ليس حج ، فهل لنا حج ؟ فقال : ألستم تحرمون ، وتقفون ؟ فقال : بلى . [ قال ]{[2338]} : فأنتم حجاج . [ وقال : جاء ]{[2339]} رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه مثله ، [ فلم يجبه ، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية ( ليس عليكم جناح ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنتم حجاج ]{[2340]} " ) [ أحمد : 2/ 155 ] .

وأصحابنا ، رحمهم الله تعالى ، يرون حج الأجير والتاجر تاما ، وظاهر القرآن يدل على ذلك . وكان عند القوم أن الاستئجار على الطاعة لا يجوز أمرا ظاهرا حتى سألوا في هذا .

وأصله : أن الحج لا يمنع أفعال غيره ، فأشبه الصوم ، ويجوز فيه الإجارة ، وكذا{[2341]} في هذا . وأما الصلاة فهي مانعة لما سواها من الأفعال ، فاختلفا .

وقوله : ( فإذا أفضتم من عرفات ) قيل : إن أهل الجاهلية كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس ، ومن المزدلفة{[2342]} بعد طلوع الشمس ، فأمر أهل الإسلام بالخلاف في الحالتين جميعا : أن يجعلوا الإفاضة من عرفة بعد الغروب ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس ، والله أعلم .

وفي الخبر : " خالفوهم في الرجعتين جميعا " . والإفاضة هي{[2343]} الإسراع في المشي في اللغة ، وقيل : الإفاضة الانحدار .

وقوله : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) يعني المزدلفة ، ويحتمل الدعاء فيهما جميعا ، وقال ابن عباس رضي الله عنه ( المشعر الحرام ) الجبل{[2344]} وما حوله ، وهو الذي يوقف عليه ، يقال له : قزح ، وسمي : جمعا أيضا لأنه اجتمع فيه آدم وحواء . وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال ( سمي العرفات عرفات لأن جبريل عليه السلام لما علم إبراهيم المناسك كان يقول له : عرفت عرفت ) ، والله أعلم بذلك .

وقوله : ( واذكروه كما هداكم ) يحتمل وجوها : يحتمل الأمر بالذكر أمرا{[2345]} بالشكر على ما أنعم عليه من أنواع النعم ، ويحتمل : أذكروه ( كما هداكم ) وأرشدكم لأمر المناسك ، ويحتمل الأمر بالتوحيد ؛ كأنه قال : وحدوه كما وفقكم لدينه . وعلى هذا يخرج قوله : ( وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) عن الهدى وعن المناسك وعن معرفة النعم والشكر ، والله أعلم .

قال الشيخ رضي الله عنه ( الهدى على ودهين : هدى عرف ليوحدوه ، وهدى وفق لطاعته ) .


[2335]:- في النسخ الثلاث: يختلط.
[2336]:- في الأصل و ط ع: للحاج وطلب، في م: للحجاج وطلب.
[2337]:- في النسخ الثلاث: نكرى.
[2338]:- من ط ع.
[2339]:- من ط ع، في الأصل و م: قال فجاء.
[2340]:- من ط ع.
[2341]:- الواو ساقطة من النسخ الثلاث.
[2342]:-من ط ع، في الأصل و م: مزدلفة.
[2343]:- في النسخ الثلاث: هو.
[2344]:- من ط ع و م: في الأصل: الجبيل.
[2345]:- في النسخ الثلاث: أمر.