تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

عرفات

{ ليس علبكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم إن كنتم من قبله لمن الضالين( 198 ) }

المفردات :

الجناح : الحرج والإثم من الجنوح ، وهو الميل عن القصد .

أن تبتغوا : أي أن تقصدوا وتطلبوا .

فضلا م ربكم : المراد به الرزق من تجارة أو غيرها في أيام الحج .

أفضتم : اندفعتم ، يقال أفاض في الكلام إذا انطلق فيه كما يفيض الماء ويتدفق .

عرفات : موقف الحاج على جبل عرفات في أداء المناسك ، وعرفوا اسمه لليوم الذي يقف فيه الحاج ، وهو التاسع من ذي القعدة .

الذكر : الدعاء والتلبية والتكبير والتحميد .

المشعر الحرام : هو جبل المزدلفة يقف عليه الإمام ، وسمي بهذا الاسم لأنه معلم للعبادة والشعائر ، وفي هذا المكان بني مسجد حديث وقد روى الحاكم وصححه عن ابن عمر : " المشعر الحرام المزدلفة كلها " . والمشاعر : هي المعالم الظاهرة ، وإنما سميت المزدلفة " المشعر الحرام " لأنها داخل الحرم .

المعنى الإجمالي :

أباح الله للحاج مزاولة التجارة وابتغاء الرزق في موسم الحج على أن يجعل همته الأساسية متوجهة إلى أعمال الحج .

وإذا صدر الحجاج من عرفات بعد الوقوف بها ووصلوا المزدلفة ليلة عيد النحر فليذكروا الله عند المشعر الحرام ، وهو جبل المزدلفة بالتهليل والتكبير ، وليحمدوه على هدايته إياهم إلى الدين الحق والعبادة القويمة في الحج وغيره ، وقد كانوا قبل هداية الإسلام في ضلال عن صراط الهدى والرشاد .

التفسير :

{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم . . . }

أي لا حرج ولا إثم في الكسب أيام الحج إذا لم يكن الكسب هو المقصود بالذات .

روى البخاري عن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في الموسم فنزلت : { وليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } أي في مواسم الحج( 110 ) .

وهكذا رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج يقولون : أيام ذكر ، فأنزل الله : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم .

وذهب أبو مسلم إلى أن المراد التجارة بعد انقضاء أعمال الحج ، والتقدير عنده ، فاتقون في أعمال الحج ، ثم بعد ذلك لا جناح عليكم ، وهو نظير قوله تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } . ( الجمعة : 10 ) .

{ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . . . }

أي يطلب من الحاج إذا دفع من عرفات إلى المزدلفة أن يذكر الله عند المشعر الحرام بالدعاء والتحميد والثناء والتلبية .

والوقوف بعرفة ركن لا يدرك إلا من أدركه ، ولا نعلم خلافا بين العلماء في ذلك ، إلا ما روى عن الحسن أنه قال : إنه واجب ، من أدركه فقد أداه ، ومن لا فيكفيه الوقوف بجمع ( 111 ) .

وظاهر عموم القرآن والسنة الثابتة يدل أن عرفة كلها موقف ، قال صلى الله عليه وسلم : " وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف " رواه مسلم رواه مسلم ( 112 ) .

وقد اختلف في الذكر المطلوب عند المشعر الحرام : فقال بعضهم المراد منه الجمع بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بمزدلفة .

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لمن وجده يصلي في الطريق " الصلاة أمامك " وقال بعضهم : بل المراد الذكر باللسان من التسبيح والتحميل والتهليل والتلبية ، وقد ورد عن ابن عباس أنه نظر إلى الناس وقال : كان الناس في هذه الليلة لا ينامون .

{ واذكروه كما هداكم }

أي اذكروا الله تعالى ذكرا مشابها لهدايته لكم ، أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه ، ولا تعدلوا عنه إلى ما كنتم تفعلونه في الجاهلية ، أو اذكروه لهدايته إياكم .

{ وإن كنتم من قبله لمن الضالين }

وإنكم لولا هذه الهداية لبقيتم على ضلالكم وجهلكم بالدين الحق ، ولكن الله من عليكم بهذه الهداية فأكثروا من ذكره وشكره عليها .

وقت الوقوف بعرفة :

وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة على طلوع الفجر الثاني من يوم النحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بعدة أن صلى الظهر إلى أن غربت الشمس ، وقال : " لتأخذوا عني مناسككم " .

وقال في هذا الحديث : " فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك " .

وهذا هو مذهب مالك وأبى حنيفة والشافعي رحمهم الله وذهب الإمام أحمد إلى أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة . واحتج بحديث عروة بن مضرس( 112 ) بن حارثة بن لام الطائي قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله ، إني جئت من جبل طيئ ، أكلت راحلتي وأتبعت نفسي ، والله ما تركت من جبل ( 114 ) إلا وقفت عليه فهل من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد صلاتنا فوقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه " ( 110 ) رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي . ويقال للجبل فيوسط عرفات جبل الرحمة( 116 ) .

فضل يوم عرفة :

قال القرطبي : يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم يكفر الله فيها الذنوب ويضاعف فيه الصالح من الأعمال قال صلى الله عليه وسلم " صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " ( 117 ) . أخرجه الصحيح .

وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له " .

وقد استحب أهل العلم صوم عرفة لغير الحج .

أما الحاج فيستحب له الفطر ليتقوى على الدعاء( 118 ) .

* * *