بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

{ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } ؛ وذلك أنهم كانوا إذا حجوا ، كفوا عن التجارة وطلب المعيشة في الحج ، فلم يشتروا ولم يبيعوا حتى تمضي أيام حجهم ، فجعل الله تعالى لهم رخصة في ذلك فقال تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } ، أي لا مأثم عليكم أن تطلبوا رزقاً من ربكم من التجارة في أيام الحج . وقال مقاتل : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن سوق عكاظ وسوق منى وذي المجاز في الجاهلية كنا نقوم في التجارة قبل الحج وبعد الحج ، فهل يصلح لنا البيع والشراء في أيام حجنا ؟ فنزلت هذه الآية . ومعنى آخر : ما روي عن عبد الله بن عمر : أن رجلاً سأله فقال : إني رجل أكري الإبل إلى مكة أفيجزيني عن حجي ؟ فقال : أولست تلبي ، وتقف بعرفات وترمي الجمار ؟ فقال : بلى فقال : سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل ما سألتني ، فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } . وروي عن ابن عباس نحوه .

ثم قال تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عرفات } ، يقول إذا رجعتم من عرفات بعد غروب الشمس ؛ { فاذكروا الله عِندَ المشعر الحرام } ، يعني بالمزدلفة . وقال عطاء : إنما سميت عرفات ، لأن جبريل كان يعلَّم إبراهيم عليه السلام أمور المناسك فكان يقول له : عرفت ؟ فيقول : عرفت . فسميت عرفات . وقال ابن عباس : إنما سميت منى ، لأن جبريل قال لآدم عليهما السلام : تمنَّ . قال : أتمنى الجنة . فسميت منى . قال : وإنما سمي الجمع جمعاً ، لأنه اجتمع فيه آدم وحواء والجمع أيضاً : هو المزدلفة وهو المشعر الحرام .

ثم قال : { واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ } ، يقول : اشكروا الله كما هداكم لدين الإسلام { وَإِن كُنتُمْ } ، أي وقد كنتم { مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضالين } عن الهدى .