فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (198)

{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين } .

{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } فيه الترخيص لمن حج في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق وهو المراد بالفضل هنا ومنه قوله تعالى { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } أي لا إثم عليكم في أن تبتغوا في مواسم الحج رزقا ونفعا وهو الربح في التجارة مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج نزل ردا لكراهتكم ذلك .

والحق أن الإذن في هذه التجارة جار مجرى الرخص وتركها أولى لقوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } والإخلاص هو أن لا يكون له حامل على الفعل سوى كونه عبادة .

{ فإذا أفضتم من عرفات } يقال فاض الإناء إذا امتلأ ماء حتى ينصب من نواحيه ورجل فياض أي مندفعة يده بالعطاء ، ومعناه أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول كما ترك في قولهم دفعوا من موضع كذا ، وعرفات اسم لتلك البقعة كأذرعات أي موضع الوقوف ، وعرفة اسم اليوم وسميت عرفات لأن الناس يتعارفون فيها ، وقيل لأن آدم التقى هو وحواء فيها فتعارفا ، وقيل غير ذلك .

قال ابن عطية : والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع إلا على القول بأن صله جمع ، واستدل بالآية على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده ولا يتم الحج إلا به ، ووقت الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس ، فإذا غربت دفع منها وأخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء بمزدلفة .

{ فاذكروا الله } المراد بذكر الله هنا دعاؤه ومنه التلبية والتكبير ؛ أي اذكروه لذاته من غير ملاحظة نعمه ، لأنه تعالى يستحق الحمد من حيث ذاته ومن حيث إنعامه على خلقه ، فحصلت المغايرة بين هذا وقوله { واذكروه كما هداكم } وقيل المراد بالذكر صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة جمعا وقد أجمع أهل العلم على أن السنة أن يجمع الحاج بينهما فيها .

{ عند المشعر الحرام } سمي مشعرا من الشعار وهو العلامة والدعاء عنده من شعائر الحج ووصف بالحرام لحرمته من التحريم وهو المنع ، فهو ممنوع من أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله ويدعو حتى أسفر جدا رواه مسلم أي دخل في السفر بفتحتين وهو بياض النهار ، قاله الشوبري ، والمشعر هو جبل قزح الذي يقف عليه الإمام وقيل هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر .

{ واذكروه } ذكرا حسنا { كما هداكم } هداية حسنة ، وكرر الأمر بالذكر تأكيدا وقيل الأول أمر بالذكر عند المشعر الحرام والثاني أمر بالذكر على حكم الإخلاص وقيل المراد بالثاني تعديد النعمة عليهم والكاف للتعليل .

{ إن كنتم من قبله لمن الضالين } الضمير في قبله عائد إلى الهدى وقيل إلى القرآن وقيل إلى الرسول والضالين الجاهلين بالإيمان والطاعة قاله الخطيب وقيل جاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه .