قوله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً من ربّكُمْ } فيه الترخيص لمن حجّ في التجارة ، ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق ، وهو المراد بالفضل هنا ، ومنه قوله تعالى : { فانتشروا فِى الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله } [ الجمعة : 10 ] أي : لا إثم عليكم في أن تبتغوا فضلاً من ربكم مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج . قوله : { فَإِذَا أَفَضْتُم } أي : دفعتم ، يقال فاض الإناء : إذا امتلأ ماء حتى ينصبّ من نواحيه ، ورجل فياض ، أي : متدفقة يداه بالعطاء ، ومعناه : أفضتم أنفسكم ، فترك ذكر المفعول ، كما ترك في قولهم : دفعوا من موضع كذا .
و { عرفات } : اسم لتلك البقعة ، أي : موضع الوقوف . وقرأه الجماعة بالتنوين ، وليس التنوين هنا للفرق بين ما ينصرف ، وما لا ينصرف ، وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين . قال النحاس : هذا الجيد ، وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات قال : لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين . وحكى الأخفش ، والكوفيون فتح التاء تشبيهاً بتاء فاطمة ، وأنشدوا :
تنوّرتها من أذرعات وأهلُها *** بِيَثْربَ أدْنَى دارِها نَظَر عالي
وقال في الكشاف : فإن قلت : هلا منعت الصرف ، وفيها السببان التعريف ، والتأنيث ، قلت : لا يخلو التأنيث ، إما أن يكون بالتاء التي في لفظها ، وإما بتاء مقدّرة كما في سعاد ، فالتي في لفظها ليست للتأنيث ، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث . ولا يصح تقدير التاء فيها ؛ لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها ، كما لا تقدّر تاء التأنيث في بنت ؛ لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث ، فأبت تقديرها . انتهى . وسميت عرفات ؛ لأن الناس يتعارفون فيها . وقيل : إن آدم التقى هو وحواء فيها ، فتعارفا . وقيل : غير ذلك ، قال ابن عطية : والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع ، واستدل بالآية على وجوب الوقوف بعرفة ؛ لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده ، والمراد بذكر الله عند المشعر الحرام : دعاؤه ، ومنه التلبية والتكبير ، وسمي المشعر مشعراً من الشعار ، وهو : العلامة ، والدعاء عنده من شعائر الحج ، ووصف بالحرام لحرمته ، وقيل : المراد بالذكر صلاة المغرب ، والعشاء بالمزدلفة جمعاً . وقد أجمع أهل العلم على أن السنة أن يجمع الحاجّ بينهما فيها . والمشعر : هو جبل قزح الذي يقف عليه الإمام . وقيل : هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر . قوله : { واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ } الكاف نعت مصدر محذوف ، وما مصدرية ، أو كافة أي : اذكروه ذكراً حسناً ، كما هداكم هداية حسنة ، وكرّر الأمر بالذكر تأكيداً ، وقيل : الأول أمر بالذكر عند المشعر الحرام ، والثاني أمر بالذكر على حكم الإخلاص ، وقيل : المراد بالثاني تعديد النعمة عليهم ، و «إن » في قوله : { وَإِن كُنتُمْ من قَبْلِهِ } مخففة كما يفيده دخول اللام في الخبر . وقيل : هي بمعنى قد ، أي : قد كنتم ، والضمير في قوله : { مِن قَبْلِهِ } عائد إلى الهدي ، وقيل : إلى القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.