{ ليس عليكم جناح } في { أن تبتغوا } أي : تطلبوا { فضلاً } أي : رزقاً { من ربكم } بالتجارة ، في الحج نزلت ردعاً لناس من العرب كانوا يتأثمون أن يتجروا أيام الحج ، وإذا دخل العشر كفّوا عن البيع والشراء ، فلم تقم لهم سوق ، ويسمون من يخرج بالتجارة : الداج ويقولون : هؤلاء الداج وليسوا بالحاج .
وروى البخاري : أنه كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقهم في الجاهلية ، يتجرون فيها في أيام الموسم ، وكانت معايشهم منها ، فلما جاء الإسلام تأثموا فرفع عنهم الجناح في ذلك وأبيح لهم .
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قيل له : هل كنتم تكرهون التجارة في الحج ؟ فقال : وهل كانت معايشنا إلا من التجارة في الحج . وعكاظ سوق لقيس ومجنة ، وهي بفتح الميم أشهر من كسرها وبفتح الجيم وتشديد النون ، سوق لكنانة بمرّ الظهران ، وذو المجاز وهو بفتح الميم وبالزاي سوق لهذيل .
{ فإذا أفضتم } دفعتم { من عرفات } وأصله أفضتم أنفسكم ، فحذف المفعول كما حذفوه من دفعوا من موضع كذا ، أي : دفعوا أنفسهم ، واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف عرفات واليوم عرفة ، فقال عطاء : كان جبريل عليه السلام يري إبراهيم عليه الصلاة والسلام المناسك ويقول : عرفت فيقول : عرفت فسمي المكان لذلك عرفات واليوم عرفة . وقال الضحاك : كان آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط وقع في الهند وحوّاء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة فتعارفا فسمي المكان واليوم بما ذكر . وقال السدي : لما أذن إبراهيم في الناس بالحج وأجابوا بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله تعالى أن يخرج إلى عرفات ونعتها له ، فلما بلغ الجمرة الأولى استقبله الشيطان يرده فرماه بسبع حصيات يكبّر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبّر ، فطار ووقع على الجمرة الثالثة فرماه وكبّر ، فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب فانطلق إبراهيم حتى أتى ذا المجاز ، فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز فسمي ذا المجاز ثم انطلق حتى وقف بعرفات فعرفها بالنعت فسمي المكان واليوم بما ذكر .
فإن قيل : هلا منعت الصرف وفيها السببان : العلمية والتأنيث أجيب : بأن التأنيث لا يخلو : إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وأما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث ، وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع التأنيث ولا يصح تقدير التاء فيها لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما ، لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي فيها هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها ، وفي الآية دليل على وجوب الوقوف بعرفة لأنّ إذا تدل على أنّ المذكور بعدها محقق لا بدّ منه ، فكأنه قيل بعد إفاضتكم من عرفات التي لا بدّ منها اذكروا الله ، والإفاضة من عرفات لا تكون إلا بعد الوقوف بها ، فوجب أن يكون الوقوف بها واجباً ، وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج ) .
{ فاذكروا الله } بالتلبية والتهليل والتكبير والثناء والدعوات وقيل : بصلاة المغرب والعشاء { عند المشعر الحرام } وهو جبل في آخر المزدلفة يقال له قزح ، وفي الحديث ( أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله تعالى ويدعو حتى أسفر جدّاً ) رواه مسلم . وقال جابر ( دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى بالمزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام استقبل القبلة فدعا وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفاً حتى أصبح جداً ) .
وقوله تعالى : { عند المشعر الحرام } معناه مما يلي المشعر الحرام قريباً منه وذلك للفضل كالقرب من جبل الرحمة وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر ، ويسمى مشعراً من الشعار وهي : العلامة ؛ لأنه من معالم الحج ، ووصف بالحرام لحرمته وتسمى المزدلفة جمعاً ؛ لأنه يجمع فيها بين صلاتي المغرب والعشاء ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه نظر إلى الناس ليلة جمع فقال : لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون ، وقيل : سميت جمعاً لأنّ آدم اجتمع فيها مع حوّاء عليهما الصلاة والسلام وازدلف إليها أي : دنا منها وقيل : وصفت بفعل أهلها لأنهم يزدلفون إلى الله تعالى أي : يتقرّبون بالوقوف فيها .
{ واذكروه كما هداكم } لمعالم دينه ومناسك حجه والكاف للتعليل . { وإن كنتم من قبله } أي : الهدى { لمن الضالين } أي : الجاهلين بالإيمان والطاعة ، وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة وقيل : إن هي النافية واللام بمعنى إلا كقوله تعالى : { وإن نظنك لمن الكاذبين } ( الشعراء ، 186 ) أي : ما نظنك إلا من الكاذبين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.