تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

{ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ } منبهة لرفقتها وبني جنسها : { يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } فنصحت هذه النملة وأسمعت النمل إما بنفسها ويكون الله قد أعطى النمل أسماعا خارقة للعادة ، لأن التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من أعجب العجائب . وإما بأنها أخبرت من حولها من النمل ثم سرى الخبر من بعضهن لبعض حتى بلغ الجميع وأمرتهن بالحذر ، والطريق في ذلك وهو دخول مساكنهن .

وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه ، واعتذرت عنهم أنهم إن حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور ، فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

15

حتى إذا أتوا على وادي النمل . قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون . فتبسم ضاحكا من قولها ، وقال : رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ، وأن أعمل صالحا ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . .

لقد سار الموكب . موكب سليمان من الجن والإنس والطير . في ترتيب ونظام ، يجمع آخره على أوله ، وتضم صفوفه ، وتتلاءم خطاه . حتى إذا أتوا على واد كثير النمل ، حتى لقد أضافه التعبير إلى النمل فسماه ( وادي النمل )قالت نملة . لها صفة الإشراف والتنظيم على النمل السارح في الوادي - ومملكة النمل كمملكة النحل دقيقة التنظيم ، تتنوع فيها الوظائف ، وتؤدى كلها بنظام عجيب ، يعجز البشر غالبا عن اتباع مثله ، على ما أوتوا من عقل راق وإدراك عال - قالت هذه النملة للنمل ، بالوسيلة التي تتفاهم بها أمة النمل ، وباللغة المتعارفة بينها . قالت للنمل : ادخلو ا مساكنكم - كي لا يحطمنكم سليمان وجنوده . وهم لا يشعرون بكم .

فأدرك سليمان ما قالت النملة وهش له وانشرح صدره بإدراك ما قالت ، وبمضمون ما قالت . هش لما قالت كما يهش الكبير للصغير الذي يحاول النجاة من أذاه وهو لا يضمر أذاه . وانشرح صدره لإدراكه . فهي نعمة الله عليه تصله بهذه العوالم المحجوبة المعزولة عن الناس لاستغلاق التفاهم بينها وقيام الحواجز . وانشرح صدره له لأنه عجيبة من العجائب أن يكون للنملة هذا الإدراك ، وأن يفهم عنها النمل فيطيع !

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{حتى إذا أتوا على واد النمل} من أرض الشام {قالت نملة}... {يا أيها النمل ادخلوا} وهن خارجات، فقالت: ادخلوا {مساكنكم} يعني: بيوتكم {لا يحطمنكم سليمان} يعني: لا يهلكنكم سليمان {وجنوده وهم لا يشعرون}، بهلاككم، فسمع سليمان قولها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"حتى إذَا أتَوْا عَلى وَادِي النّمْلِ" حتى إذا أتى سليمان وجنوده على وادي النمل، "قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيّها النّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يحْطِمَنّكُمْ سلَيْمانُ وَجُنُودُهُ "يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سليمان وجنوده "وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" يقول: وهم لا يعلمون أنهم يحطمونكم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

...وقوله تعالى: {وهو لا يشعرون} قال بعضهم: هذا من النملة ثناء على سليمان ومدح له لعدله في ملكه وسلطانه. إنه لو شعر بكم لم يحطمكم، ولم يهملكم. وقال بعضهم: {وهم لا يشعرون} أي لا يشعر جنوده كلام النمل. وعلى كل رئيس وسيد القوم أن يحفظ رعيته وحواشيه من المهالك أو ما يحملهم على الفساد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم عدّي {أَتَوْا} بعلى؟ قلت: يتوجه على معنيين أحدهما؛ أن إتيانهم كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء...والثاني: أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره، من قولهم: أتى على الشيء إذا أنفذه وبلغ آخره...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التقدير: فساروا، لأن الوزع لا يكون إلا عن سير، غياه بقوله: {حتى إذا أتوا} أي أشرفوا. ولما كان على بساطه فوق متن الريح بين السماء والأرض. عبر بأداة الاستعلاء فقال: {على واد النمل}... {قالت نملة} أي من النمل الذي بذلك الوادي: {يا أيها النمل} ولما حكى عنهم سبحانه ما هو من شأن العقلاء، عبر بضمائرهم فقال: {ادخلوا} أي قبل وصول ما أرى من الجيش {مساكنكم} ثم عللت أمرها معينة لصاحبه إذ كانت أماراته لا تخفى فقالت جواباً للأمر أو مبدلاً منه: {لا يحطمنكم} أي يكسرنكم ويهشمنكم أي لا تبرزوا فيحطمنكم. فهو نهي لهم عن البروز في صور نهيه وهو أبلغ من التصريح بنهيهم لأن من نهى كبيراً عن شيء كان لغيره أشد نهياً {سليمان وجنوده} أي فإنهم لكثرتهم إذا صاروا في الوادي استعلوا عليه فطبقوه فلم يدعوا منه موضع شبر خالياً {وهم} أي سليمان عليه السلام وجنوده {لا يشعرون} أي بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وتعاطي مصالحه، مع صغر أجسامكم، وخفائكم على السائر في حال اضطرابكم ومقامكم، وقولها هذا يدل على علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبي فهم رحماء.

مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير لابن باديس 1359 هـ :

(أتوا على وادي النمل): هبطوا إليه من مكان أعلى منه، وهو بالشام أو بالحجاز، لم تتوقف العبرة على تعيينه فلم يعين، وأضيف للنمل لكثرته فيه... (مساكنكم): هي قرى النمل التي يسكنها تحت وجه الأرض، المحكمة الوضع والتركيب والتقسيم. ولذلك قيل فيها: مساكن: ولم يقل غيران. لا يحطمنكم): لا يكسرنكم بالحوافر والأقدام (لا يشعرون): لا يحسون بوجودكم... (لا يحطمنك): نهتهم عن أن يحطمهم، والحطم ليس من فعلهم حتى ينهوا عنه، وإنما المعنى لا تكونوا خارج مساكنكم فيحطمكم، فنهتهم عن السبب، والمراد النهي عن السبب، لما في ذلك من الإيجاز المناسب لسرعة الإنذار لسرعة النجاة، ولما في ذكر المسبب، وهو الحطم من التخويف الحامل على الإسراع إلى الدخول. والجملة مؤكدة للأولى فكأنها قالت: ادخلوا مساكنكم لا تبقوا خارجها.