{ حتى إِذَا أَتَوْا على وَادِي النمل } حتَّى هي التي يُبتدأُ بها الكلامُ ومع ذلك هي غايةٌ لما قبلها كالتي في قولِه تعالى : { حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل } [ سورة هود ، الآية40 ] الآيةَ وهي هاهنا غايةٌ لما يُنبئ عنه قولُه تعالى فهُم يُوزعونَ من السير كأنَّه قيلَ : فسارُوا حتَّى إذا أتَوا الخ ووادي النَّمل وادٍ بالشامِ كثيرُ النَّمل على ما قالَه مقاتلٌ رضي الله عنه ، وبالطَّائفِ على ما قالَه كعبٌ رضي الله عنه ، وقيلَ هو وادٍ تسكنُه الجنُّ والنملُ مراكبُهم . وتعديةُ الفعلِ إليه بكلمةِ عَلى إمَّا لأنَّ إتيانَهم كان من فوق ، وإمَّا لأنَّ المرادَ بالإتيانِ عليه قطعُه ، من قولِهم أتَى على الشيءِ إذا أنفَدَه وبلغَ آخرَهُ ، ولعلَّهم أرادُوا أنْ ينزلُوا عند مُنتهى الوادي إذْ حينئذٍ يخافُهم ما في الأرضِ لا عند سيرِهم في الهواءِ . وقولُه تعالى { قَالَتْ نَمْلَةٌ } جوابُ إذا كأنَّها لما رأتهُم متوجهينَ إلى الوادي فرَّتْ منهم فصاحتْ صيحةً تنبهتْ بها ما بحضرتِها من النملِ لمرادِها فتبعها في الفرارِ فُشبِّه ذلك بمخاطبةِ العُقلاءِ ومناصحتِهم فأُجروا مُجراهم ، جُعلتْ هي قائلةً وما عداها من النملِ مقولٌ لهم حيثُ قيل : { يا أَيُّهَا النمل ادخلوا مساكنكم } مع أنَّه لا يمتنعُ أنْ يخلقَ الله تعالى فيها النُّطقَ وفيما عداها العقلَ والفهمَ . وقرئ نَمُلة يا أيُّها النَّمُل بضمِّ الميمِ ، وهو الأصلُ كالرجُل ، وتسكينُ الميمِ تخفيفٌ منه كالسَّبْعِ في السبُع . وقرئ بضمِّ النونِ والميمِ . قيل : كانتْ نملةً عرجاءَ تمشي وهي تتكاوسُ فنادتْ بما قالتْ فسمعَ سليمانُ عليه السَّلام كلامَها من ثلاثةِ أميالٍ وقيل : كان اسمُها طاخيةً . وقرئ مسكنَكم . وقولُه تعالى : { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان وَجُنُودُهُ } نهيٌ في الحقيقيةِ للنَّملِ عن التأخرِ في دخولِ مساكنِهم وإنْ كانَ بحسبِ الظَّاهر نهياً له عليه الصَّلاة والسَّلام ولجنودِه عن الحطْمِ كقولِهم : لا أرينَّك هَهُنا . فهُو استئنافٌ أو بدلٌ من الأمرِ ، كقولِ مَنْ قالَ
فقلتُ له ارحلْ لا تُقيمنّ عندنا *** . . .
لا جوابَ له فإنَّ النُّون لا تدخلُه في السَّعة . وقرئ لا يَحَطَمنكم بفتحِ الحاءِ وكسرِها ، وأصلُه لا يحتطمنَّكم . وقولُه تعالى : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حالٌ من فاعلِ يحطمنَّكم مفيدةٌ لتقييدِ الحطمِ بحالِ عدمِ شعورِهم بمكانِهم حتَّى لو شعروا بذلك لم يحطَّمُوا ، وأرادتْ بذلكَ الإيذانَ بأنَّها عارفةٌ بشؤونِ سليمانَ وسائرِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاة والسَّلام من عصمتِهم عن الظُّلم والإيذاءِ ، وقيل : هو استئنافٌ أي فهمَ سليمانُ ما قالتْهُ والقومُ لا يشعرونَ بذلكَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.