تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

[ الآية 18 ] وقوله تعالى : { حتى إذا أتوا على واد النمل } هذه يدل أن النمل ، وقتئذ لا تخالط الناس حين{[14947]} أضاف [ الودي ]{[14948]} إليها بقوله : { حتى إذا أتوا على واد النمل } ولو كانت تخالط الناس كهي الآن لقال : حتى إذا أتوا على الوادي الذي فيه النمل . دل أنها لا تخالط الناس ، وكان لهن مكان على حدة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } يخرج قوله : { قالت نملة } على وجهين :

[ أحدهما ]{[14949]} : على حقيقة القول من النملة كما يكون من البشر ؛ أطلع الله تعالى سليمان [ على ]{[14950]} ذلك ، وألقاه في مسامعه لطفا منه وفضلا من سائر الخلائق على ما ذكرنا في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } الآية [ الإسراء : 44 ] .

والثاني : أن يجعل الله في سرية النمل معنى يفهم بعضها من بعض لما يريدون في ما بينهم من أنواع الحوائج على غير حقيقة القول ؛ أطلع الله سليمان على ذلك حتى فهم منها ما كان يفهم بعضها من بعض لطفا منه وفضلا . وهو كقوله : { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } [ الإنسان : 9 ] ليس أحد يقول لآخر إذا تصدق عليه ذلك . لكن الله أخبر عما علم من ضميرهم ومرادهم من التصدق على غير حقيقة القول منهم .

فعلى ذلك قول النملة ؛ أخبر عما كان في سريتها في ما بينهم من غير أن كان منها نطق أو كلام يفهم منه الخلق ، والله أعلم .

وقالت الباطنية : ليس المراد من [ الذكر النملة ]{[14951]} المعروفة وقولها ، وكذلك من [ الذكر ]{[14952]} الهدهد ، إنه لم يرد به الهدهد المعروف{[14953]} ؛ إذ لا يجوز للهدهد من العلم أكثر مما يكون لسليمان ولغيره ، ولكن أراد به الرجل ، وهو الإمام الذي يدعو الناس إلى الهدى ، ويدلهم على الرشد . وليس كما قالوا لأنه إنما ذكر هذا على التعجب .

ولو كان ذلك إنسانا ممن يكون له قول وكلام لم يكن لذكر{[14954]} ذلك منه كبير تعجب ولا فائدة . دل أنه ليس كما قالوا .

وقوله تعالى : { لا يحطمنكم سليمان وجنوده } أي لا يكسرنكم ، والحطم هو الكسر . وفي حرف ابن مسعود : لا يحطمكم على طرح النون والتشديد{[14955]} .

وقوله تعالى : { وهو لا يشعرون } قال بعضهم : هذا من النملة ثناء على سليمان ومدح [ له لعدله ]{[14956]} في ملكه وسلطانه . إنه لو شعر بكم لم يحطمكم ، ولم يهملكم .

وقال بعضهم : { وهم لا يشعرون } أي لا يشعر جنوده كلام النمل . وعلى كل رئيس وسيد القوم أن يحفظ رعيته وحواشيه [ من المهالك ]{[14957]} أو ما يحملهم على الفساد .

وقول من قال : إن النمل يومئذ كانت كالذباب عظيما ، لا يحتمل ؛ لأنها لو كانت كما ذكر/ 389- أ/ لم يكن لقوله : { وهم لا يشعرون } معنى لأنها لو كانت كالذباب لشعروا بها . فدل أنها كانت على ما هي اليوم ، والله أعلم .


[14947]:- في الأصل وم: حيث.
[14948]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14949]:- ساقطة من الأصل وم.
[14950]:- ساقطة من الأصل وم.
[14951]:- في الأصل وم: ذكر النمل.
[14952]:- ساقطة من الأصل وم.
[14953]:- من م، في الأصل: قوله.
[14954]:- من م، في الأصل: قوله.
[14955]:- انظر معجم القراءات القرآنية 4/341.
[14956]:- في الأصل وم: عليه العدل.
[14957]:- من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.